الذاكرة و التاريخ كدعامة للتنمية المتعثرة : نموذج إقليم درويش – ذ. محمد صالحي   

من خلال بعض قراءاتي التي كُتبت حول المقاومة الريفية التي كان من المفروض أن تحضى عندنا هذه السنة (٢٠٢١ ) ،  بمناسبة مرور قرن كامل على هذه الملحمة، بوقفة رسمية وشعبية نستلهم عبقريتها ونفتخر بإنجازاتها و نفتح أوراشا علمية وفنية و خطابية لترسيخ قيم الحرية و الكرامة و العدالة و التفاني في خدمة الوطن و تعزيز وحدته و تضامنه، تماما كما فعلت إسبانيا و هي التي خرجت مهيضة الجناح في هذه الجولة من الحرب الاستعمارية التي عرفها المغرب الحديث.(١)

لم يحدث شيء من هذا مع الاسف، وما زلنا ندور حول الرحى ونبيع الوهم ونهرب إلى الامام حتى لا نعالج الاشكاليات العالقة من تاريخنا المعاصر.

ما يهمني هنا لا يتعلق  بتقييم هذه المرحلة ولا الكلام حول هذه الانتصارات وما نتج عنها من نتائج سياسية واقتصادية وعسكرية على المستوى المحلي والدولي. ما يهمني هنا هو كيف لنا أن نتعامل مع  هذه الغفلة والإهمال والتهميش إلى حين قيام مصارحة و مصالحة وطنية حقيقية في ظل دولة مواطنة قائمة على أساس الحق و القانون؟

أقول هذا، وأنا مقتنع أن داخل الوطن وخارجه مواطنون مغاربة، سواء على المستوى الرسمي أو المدني، يتحلون  بروح وطنية عالية و يتفانون في محاولة إصلاح  الاعطاب الهيكلية التي تهدد أمن واستقرار و وحدة البلاد. لابد للقوى الوطنية الإصلاحية بكل أطيافها أن تقترح و تعمل و تضغط باتجاه تعزير و دعم الاختيارات التنموية والادماجية العادلة و تدفع باتجاه إيجاد مؤسسات رسمية أكثر انفتاحا و تجاوبا مع محيطها المحلي و الوطني بما يحقق مصلحة المواطن و يساهم  في استعادة و بناء الثقة و الاحترام المتبادل بين المواطنين و مؤسسات الدولة.

التنمية البشرية و الجهوية الموسعة

ٍسأحاول ربط جزء من تاريخ المقاومة الريفية بالواقع  الحالي للمنطقة التي جرت فيها و حولها أحداث

انتصارات (مقاومة\كارثة  أنوال(٢) ) التاريخية، و كيف يمكن الحفاظ على هذا التاريخ و هذه الذاكرة وإدماجهما في حياتنا الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية بحيث ستساهم في تنمية المنطقة وستصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وكذلك في دعم و إغناء  طريقة استشراف النظرة التنموية المستقبلية للمنطقة بما لا يتقاطع مع النظرة العامة للنماذج التنموية للدولة المركزية. و تدعم و تجسد فلسفة ما يسمى بالجهوية الموسعة ( رغم تحفظنا على التقسيم الإداري الذي تم اعتماده رسميا) فإن هذه الرؤية المعتمدة هنا تستلهم و تأخذ بعين الاعتبار هذا الاتجاه العام لروح و فلسفة  الجهوية الموسعة. و يمكن الاستفادة منها، بعد تحيينها، في باقي مناطق المغرب.

تهميش الذاكرة تهميش لكرامة الانسان

لا يخفى على القارئ المهتم أن الحفاظ على التراث و الذاكرة و التاريخ قد حضي بدراسات كثيرة استجلت الموضوع من كل جوانبه النفسية و السوسيولوجية و الثقافية و التاريخية و الاقتصادية و أكدت كلها على أن الذاكرة تلعب دورا مهما في تشكيل وعي الشعوب و تمييز هويتها و شخصيتها الحضارية. وأن تهميش الذاكرة و التاريخ الجماعي لمنطقة ما هو تهميش للإنسان و تعطيل لطاقاته كامنة و اعتداء سافر على أحد منابع شخصيته و مصادر قوته الذاتية.  

الخلفية النظرية لهذه المقاربة

الخلفية النظرية لهذه المقاربة تعتمد على مايسمى ب( المقاربة الإمكانية) (٣) . وهي نظرية في التنمية البشرية تعتبر النمو الفردي مقارن للنمو الاقتصادي لمجتمع ما. و العدالة الاجتماعية و المجالية هي جوهر هذه المقاربة. و تُعْرف ( الامكانيات) عن طريق الجواب على السؤال المحوري التالي: من هو هذا الشخص و ماذا يستطيع؟ و تقسم هذه القدرات من جانب  إلى قدرات ذاتية داخلية و قدرات خارجية مرتبطة بمحيط الشخص. و من جانب آخر إلى قدرات متراكبة أو مركبة. بمعنى آخر فإن هذه القدرات ينبغي التعبير عنها في المحيط الذي يعيش فيه الانسان و أن يجد الجو الملائم لتنمية هذه القدرات و تفعيلها في حياته اليومية بما يزيد من تحقيق ذاتيته الفردية وهويته و شخصيته الجماعية، أي تحسين نوعية و جودة الحياة الفردية و الجماعية. فكيف يمكن أن نمجد تاريخ المقاومة و إنجازاتها الباهرة ذات الصيت العالمي دون أن نجد منافذ و مواقع للتعبير عليها بكل حرية و عفوية في حياتنا اليومية؟

فلنعد الآن إلى ما كنا بصدده من ربط الذاكرة و التاريخ بالحياة اليومية و كيفية المساهمة في تحسين نوعية الحياة الفردية و الجماعية عن طريق التمكين للقدرات الكامنة من الانطلاق لتتحول إلى وظائف و خبرات جاهزة لترسيخ قيم الحرية و العدالة و الكرامة ، أي لتحسين نوعية الحياة التي يعيشها الفرد الريفي المغربي، لانه في آخر المطاف يبقى المواطن الفرد هو المقياس الحقيقي لكل تنيمة بشرية و ليس الإحصائيات العامة و المقاييس الدولية المقارنة التي تقيس مستوى التطور العام للدول. لان هذه المقاييس و المعايير تتحدث عن المتوسطات الرقمية العامة و لا تقول لنا شيئا عن الافراد و عن التقسيم العادل للخيرات على مستوى الافراد و الجماعات و المناطق.

 إقليم الدريوش و البحث عن الفرص الجديدة

إقليم الدريوش يقع في شمال شرق المملكة المغربية في  وسط منطقة الريف. تبلغ مساحة الإقليم 2,867 كيلومتر مربع. يبلغ تعداد سكان الإقليم 211.059 نسمة[، حسب إحصاء 2014. يحيط بالإقليم من جهة الشمال البحر الابيض المتوسط، و من الغرب إقليم الحسيمة، ومن الشرق إقليم الناظور، ومن الجنوب إقليم تازة وإقليم كرسيف. تأسس إقليم الدريوش سنة ٢٠٠٩. ويتكون الإقليم من دائرتين وهما دائرة الدريوش ودائرة الريف، وثلاث جماعات حضرية، وعشرين جماعة قروية.(٤)

بلدة الدريوش كانت إلى عهد قريب بلدة مغمورة بالنسبة لباقي مناطق المغرب، لكنها من الناحية التاريخية شكلت أحد الأقطاب الاستراتيجية  الرئسية للاستعمار الإسباني من أجل السيطرة على الريف الساحلي و الداخلي. و عرفت هذه البلدة ازدهارا اقتصاديا كبيرا، خاصة في مجال الفلاحة والعمران و وقطاع الخدمات. طبعا إلي جانب أهميتها كمركز إداري مدني و عسكري للمستعمر الإسباني.

 منذ سنوات غير بعيدة، تم أختيار الدرويش ليكون المدينة الرئسية لهذا الإقليم. و هذا يعني أن هذا الإقليم الفتي أصبح يمثل قسما كبيرا من المنطقة التي كانت تابعة إداريا و اقتصاديا و ثقافيا لمدينة الناظور. هذا التقسيم أعطى فرص جديدة لمنطقة ظلت مهمشة منذ الاستقلال.

أهم الموارد الاقتصادية التي يتوفر عليها الإقليم حاليا هي:

  • العملة الصعبة التي يحولها المغاربة المهاجرون، وهي في تقديري أهم هذه الموارد، حيث نسبة الهجرة من المنطقة إلى أوروبا تعتبر عالية جدا. ثم الفلاحة التي تركز أساسا على أشجار الزيتون، و تربية المواشي، و التجارة التي تعتمد أساسا على التهريب عن طريق مليلة و عن طريق الحدود الجزائرية مع العلم أن هاذين المنفذين مغلقين حاليا. و أخيرا قطاع الخدمات و البناء.
  • أما فيما يتعلق بالبنية التحتية فهي هشة على عمومها، إذا استثنينا الطريق الساحلي الذي يمكن اعتباره إنجازا مهما ساهم بشكل كبير في فك العزلة عن المنطقة المحاذية للساحل البحري، و كذلك ينبغي أعتبار تزويد البوادي بالكهرباء انجازا استراتيجيا ساهم في إعادة إعمار بوادي المنطقة التي عرفت هجرة كبيرة نحو المدن المجاورة في مرحلة ما قبل التنوير الكهربائي. كذلك ينبغي الاشارة إلى أهمية إصلاح و تزفيت بعض الطرق الفرعية التي تربط بوادي المنطقة بالطريق الساحلي، رغم كل ما يعتري هذه الطرق من نقائص خطيرة. أما الجهة الداخلية من الاقليم فما زالت تواجه صعوبات كبيرة من حيث ربط القرى و المداشير و الدواوير بالطرق الرئسية.  رغم الشريط الساحلي الطويل الذي يتوفر عليه الإقليم، لا يمكن في الوضع الحالي الاستفادة من ثروتها السمكية، إن وجدت! إذ لا يتوفر الإقليم بكامله على ميناء صيد جدير بهذا الإسم. نفس الشيئ يمكن أن يقال عن السياحة البحرية والجبلية. رغم توفر المنطقة على ساحل طويل يتوفر على شواطيء جميلة و متنوعة التضاريس و المناظر، وكذلك  وجود مناطق جبلية تتوفر على إمكانيات استغلال سياحي مهمة إلا أن هذه المناطق سواء الشاطئية أو الجبلية مازالت بكرا. هذه كلها تحديات تواجه التنمية الاقتصادية و البشرية في المنطقة تستحق وقفة جادة و إرادة سياسية حازمة تجعل هذه التحديات أولى أولاوياتها.

من البديهي أن التقسيم الإداري الحالي للريف التاريخي سيبقى عائقا و غصة في الحلق يحتاج إلى حلول أكثر انسجاما مع الريف التاريخي و الجغرافي. لكن هذا لا يعني مقاطعة و معاكسة كل ما لا يوافق طموحاتنا النضالية، بل لابد من المبادرة و طرح حلول جديدة تناسب المرحلة. و هو كذلك فرصة للتعاون والتنسيق مع الفعاليات المدنية التي تهتم بموضوع الذاكرة و التاريخ  في الاقاليم الأخرى.

هذا التبرير ليس بالضرورة مقنعا للجميع لكنه بالنسبة لي و ربما لآخرين كثيرين هو تبرير له شرعيته البرغماتية على الاقل.

نموذج للمآثر التاريخية المرتبطة بحرب الريف في إقليم الدريوش

إقليم درويش بالشكل الحالي يعتبر من المناطق التي عرفت فيها القوات الاسبانية أعتى المواجهات مع قبائل الريف المقاومة و تتوفر هذه المنطقة على ذاكرة جغرافية قوية و غنية تحتاج إلى صيانتها و حمايتها من النسيان و الضياع. و لا يمكن تحقيق ذلك إلا بدمج هذا الارث التاريخي و الثقافي في حياة الناس اليومية، و ذلك :

– بنظرة خاطفة و بناء على ما يحضرني الآن من معلومات ناقصة يمكن أن تقام مراكز و مشاهد و نصب تذكارية تليق بهذا التاريخ المجيد بكل من ( سيدي دريس)  الذي يوجد على شاطئ البحر الأبيض المتوسط و على الضفة الغربية  لمصب وادي ( أمقران)،  و غير بعيد عن سيدي دريس جهة الغرب ، ببعض الكيلومترات، سنجد جبل ( دْهار ؤ باران) الذي يقف شامخا يحرس حوض تمسمان من الضفة الغربية  من وادي ( ئغزار أمقران). فإذا توجهنا من هناك باتجاه الداخل مع انحرافنا جهة الشرق عبر مركز بودينار ثم مْعَمْران سنصل إلى تلة ( بومجّان) حيث يوجد حاليا حائط متواضع لتخليد معركة ( أنوال) التاريخية على جانب الطريق التي تربط مركز (كرونا) و (بودينار) و سوق خميس تمسمان التاريخي بمدينة الدرويش. فاذا تابعنا السير على نفس الطريق باتجاه الشرق و على بعد ثلاث كيلو تقريبا سنجد معسكر ( أنوال)  الشهير حيث كان المخيم العسكري الرئيسي للجيش الاسباني قبل وقوع المواجهة التاريخية يوم ٢١ -٠٧ -١٩٢١ م.

فإذا توجهنا راجلين جهة الجنوب و على بعد كيلومترات قليلة سنجد معسكر ( ئيغريبن ) الذي دارت فيه معركة قوية انتهت بانهزام الفيلق الاسباني و انسحابه باتجاه أنوال يوما أو يومين قبل معركة أنوال. ثم إذا واصلنا طريقنا باتجاه الجنوب صعدا متسلقين إلى قمة (جبال ءايت عازا) سنصل إلى أحد أهم المراكز الاستراتيجية التي ضرب فيها الاسبان مخيمهم بحيث يمكنهم مراقبة حوض( تمسامان) بكامله. يشبه في أهميته قمة دهار ؤ بران ) و إن كان  ( ءايت عزا ) أعلى و أعز للوصول إلى قمته. هنا أيضا هزمت المقاومة الجيش الاسباني شر هزيمة بعد حصار دام أياما. هذه المناطق التاريخية المهمة توجد كلها كما تظهرالخريطة (ب) في (تـمْسامان). و كانت تشكل هذه المرحلة الخطة  ما قبل الاخيرة لحملة التوسع العسكري الاسباني للوصول إلى منطقة نكور و الحسيمة حيث الهدف الرئيسي للجيش الاسباني من أجل استكمال ما كان يسمى ب( توطيد السلم في الريف ) تحت الحماية الاسبانية.

أما إذا تابعنا سيرنا باتجاه الشرق انطلاقا من( أنوال) فسنجد معسكر (إيزومار) التي توجد في قبيلة بني وْليشّكْ  هذه كذلك محطة عرفت مواجهة بين المقاومة الريفية و الجيش الاسباني المتحصن في هذه القاعدة، انتهت بهزيمة نكراء للاسبان. كهذا تتابع سقوط معاقل الجيش الاسباني  الواحد تلو الآخر بعد الهزيمة الكبرى التي كان مركزها الأساسي في (أنوال).

هناك معارك اخرى لا تحضرني كلها انتصرت فيها المقاومة على طول الطريق الرابط بين بن طيب و الكبداني و بني سعيد كما هو الحال بالنسبة لمعركة ( القنطرة ) و معركة ( باطل) حيث كان للجيش الاسباني مركزا عسكريا مهما، غير بعيد من تيزظوظين. و هذا المركز كان بالضبط يقع على مفترق الطريق الرابط بين دْريوُشْ و (ئقنْدوسن) باتجاه دار الكبداني.

حتى نصل إلى حصن جبل العروي التابع حاليا لإقليم الناظور، حيث كانت تتحصن الجيوش الاسبانية التي تراجعت من مواقعها الامامية و التي نجت من القتل او الاسر على ايدي القبائل الريفية. هناك تم حصارهم من قبل المقاومة لعدة أيام، اضطر الجيش الاسباني الاستسلام للقبائل، لان الجيش الاسباني في (مْريرثْ) مليليا لم يتمكن من مدهم بالمساعدة  بسبب عزل المقاومة للمنطقة وخوفا من أن تتعرض مليليا نفسها لهجوم الريفيين بعد أن وصل المقاومون إلى مشارف هذه المدينة.

و نفس الشيء يمكن أن يقال عن جهة (ميضار) و ( تافرسيت ) و( وادي كارت\شاظ ) وغيرها من المناطق التابعة لإقليم الدريوش.

هذه شذرات من تاريخ غير بعيد لكن يكاد يكون مجهولا و مغمورا، لا أقول عند العامة بل كذلك عند النخبة، و أنا لا استثني نفسي من هذا الجهل.

كيف يمكن أن نستثمر هذا التاريخ وهذه الذاكرة في التنمية الاقتصادية و الثقافية؟

إلى حين بزوغ مبادرات رسمية جدية، أدعو الجمعيات المدنية و الشخصيات العامة و كل من يهمه الأمر  من المؤسسات الرسمية إلى:

  • القيام بمسح ميداني للتعرف على كل المناطق التي كان لها دور ما في تاريخ المقاومة الريفية سواء من الناحية الجغرافية أو الثقافية أو التاريخية، خاصة بقايا الاسوار أو التحصينات أو البنايات أو المواقع الجغرافية التي تعود إلى هذه المرحلة و السهر على حمايتها من التخريب او الهدم او العبث بها و محاولة تسييجها إلى حين ترميمها و بنائها.
  • التعريف بأهمية هذه الرموز و المآثر التاريخية  عند أهل البلدة و بقية الاقليم و توعيتهم بأهمية هذه الاطلال بالنسبة لتاريخهم المحلي و الوطني بحيث يتم احترامها و تمجيدها كما يحترم أهل المنطقة المقابر و مشاهد الاولياء.
  • إنشاء مراكز و مشاهد و نصب تذكارية في كل المناطق التاريخية التي عرفت حدثا مهما في تاريخ المقاومة الريفية سواء تعلق الامر بالانتصارات التي أحرزتها المقاومة أو التي انهزمت فيها و تكبدت فيها خسائر في العتاد و الارواح. فساكنة  الريف كما يحق لها أن تمجد و تخلد انتصاراتها و انجازاتها، ينبغي ان تتوقف عند هزائمها و أسبابها،  و من يقف وراءها، و ما نتج عنها. لنتعلم من التاريخ كيف نتعامل مع النصر و الهزيمة، لان من لا  يتعلم من التاريخ يوشك أن يعيد نفس الاخطاء.

–  العمل مع الجماعات المحلية و الجهات الاقليمية المعنية لخلق شراكات تعاون، و خلق شبكة من العلاقات مع الوجوه المدنية المؤثرة اقتصاديا و سياسيا و ثقافيا واجتماعيا ودينيا للعمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه من  البنايات و الحفاظ على الأطلال الباقية الشاهدة على هذه المرحلة، و بناية نصب تذكارية ذات قيمة فنية تعكس تاريخ وهوية المنطقة  يقوم بها فنانون يتوفرون على وعي تاريخي و حس ثقافي و اجتماعي للمنطقة موضع الحدث التاريخي.

  • انشاء بنية تحتية متكاملة لتسهيل الوصول إلى هذه الاماكن عبر توفير طرق معبدة آمنة تتوفر فيها المقاييس الوطنية و الدولية من أجل تمكين السياح المحليين و الاجانب للوصول إلى هذه الاماكن بسهولة و التعرف على تاريخ المنطقة و ما حصل فيها من أحداث.
  • يتولي ذالك مرشدون سياحيون ذوي معرفة و خبرة بتاريخ  القبائل الريفية و ثقافتها و اشكال التنظيم الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و الثقافي بالاضافة إلى تاريخ المقاومة الريفية الحديثة. و كذلك اتقان لغات السياح الاجانب.

– إلى جانب هذا يمكن إيجاد بنية شبكة  طرقية سياحية تعتمد على المشي الرياضي و التنزه، و تسلق الجبال، و السفر بالدراجات الهوائية و الطاقية و فتح المجال للاستثمار في هذه المناطق لتوفير معدات للاكل و الاستراحة و النوم  تتوفر فيها شروط الراحة و الأمن و النظافة .

– إصلاح بعض الأسواق التاريخية التابعة للاقليم  و تأهيلها و تنظيمها بمقاببس الاسواق الحديثة من أجل استعادة دورها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي والعمل على تطوير البعد السياحي لهذه الاسواق.  كما نرى ذلك في كل الدول التي تعتمد على السياحة مثل تركيا و تونس و مصر و غيرها.

  • أقامة متحف كبير يخص تاريخ الإقليم و ثقافته مع جناح خاص لمقاومة الريف و العمل على الحصول على الوثائق والالات الحربية و التقنيات المدنية ذات الصلة بهذه المرحلة داخل البلاد و خارجه، خاصة من الدول التي شاركت مباشرة في هذه الحروب. ( مثلا اعادة فتح خط السكك الحديدية الرابط بين مليليا و درويش و بن طيب و تافرسيت و استغلاله كخط سياحي إلى جانب الاستعمال اليومي العادي ….)
  • انشاء لجنة خاصة من الباحثين و الإخصائيين في ملف الحرب الكيماوية، الذي استعمله الجيش الاسباني و الفرنسي بدعم من التقنية الالمانية، الذي مازال إلى اليوم موضع الاخذ و الرد من قبل بعض المبادرات المدنية داخل المغرب و خارجه، بينما الدولة المغربية ما زالت تلتزم الصمت حول هذا الموضوع.

هذه بعض الانطباعات و الاقترحات التي تبدو لي مفيدة و يخرج منها الكل رابحا. الدولة التي يمثلها المسؤولون في اطار خلق فرص تنموية جديدة في منطقة فقيرة بفعل عقود من التهميش، و فرصة للمستثمرين من أصحاب الاموال الغيورين على منطقتهم و تاريخ

بلادهم، و كذلك خلق فرص عمل و مناصب وأوراش جديدة تساعد على دمج الشباب العاطل  في سوق العمل. ثم أن مثل هذا المشروع لا يكلف أموالا باهضة لميزانية الدولة بالمقارنة مع كثير من مشاريع الواجهة المكلفة و التي لا يستفيد منها  إلا أصحاب المال، بينما أبناء المنطقة يتفرجون و يندبون حالهم و بؤس حظهم.

ما هي الفيئات المحتملة لا ستهلاك هذه المنتوجات المحلية؟

  • أبناء المنطقة حيث سيتعرفون على تاريخهم و أمجادهم بشكل علمي منظم و مدروس، و سيخلق عندهم وعي أكبر بالسياحة الثقافية و السياحة الجبلية، إذ معظم أبناء المنطقة تتربط عنهم السياحة بالصيف و السباحة في البحر تحت أشعة الشمس الحارقة.
  • الرحلات التربوية المدرسية التثقيفية و الترفيهية  المحلية كذا العلمية الجامعية المهتمة بالموضوع على الصعيد المحلي و الوطني.
  • تعزيز الانشطة السياحية و تنويعها إلى جانب القطاع السياحي التقليدي المرتبط بأنشطة البحر.
  • السياح الأجانب، خاصة من اسبانيا و مليليلة و سبتة المحتلتين، الذين تربطهم بهذه المناطق ذكريات وروايات عائلية ترتبط بأحد أجدادهم الذين قضوا في هذه المنطقة أو قاتلوا فيها أو عاشوا فيها مدة من الزمن. ولا ننسى أن مثل هذه الزيارات والوقوف على أماكن الأحداث تساعد كثيرا على علاج بعض الصدمات العائلة المتوارثة عن الجيل السابق.
  • السياج الفرنسيون سيفعلون كما سيفعل السياح الاسبان لان أعدادا كبيرة من العائلات الفرنسية لها علاقة بهذه الاحداث المأساوية التي عرفتها المنطقة و تتحمل فيها فرنسا جزءا كبيرا من المسؤلية.
  • شهرة هذه المقاومة و انتشار سيطها في العالم ستثير فضول السياح الوافدين على المغرب إلى زيارة المنطقة و التعرف على مآثر هذه الملحمة التاريخية و طبيعة و أخلاق و ثقافة الاقليم الغنية و المتنوعة.
  • و أخيرا و ليس آخرا المخزون الكبير من الامكانيات البشرية التي تتوفر عليها الجالية المغربية في الخارج من أبناء هذه المنطقة و غيرها من مناطق المغرب من الجيل الثاني و الثالث و الرابع الذي يبدي وعيا تاريخيا و ثقافيا بهويته المغربية الريفية و الوطنية و استعداده للانخراط في مشاريع علمية و تنموية و سياحية من أجل النهوض بالمنطقة.
    ختاما يمكن أن نقول بأن ما يبدو فقيرا و مهمشا يمكن أن يفجر طاقات و فرص كبيرة تعتمد بالاساس على تفجير الطاقات الكامنة عبر دراسات واعية و علمية تنطلق من الامكانيات و ليس من العوائق ، تدعمها إرادة سياسية تشاركية و إدارة فعالة و شفافة و خطط مدروسة و مسؤولة، و مسائلة و مراجعة دورية للمكاسب و الاخطاء. حتى نصل إلى نجاعة أكبر  في خلق و تصميم وتنفيذ المشاريع المقررة. كل هذا يكون مآله الاول و الاخير هو تنمية قدرات الانسان و توسيع دائرة اختياره و نفوذه و حريته الفردية و الجماعية حتى ينعم بحياة تسودها  الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية .

أنجز هذا المقال محمد صالحي بتاريخ ٢٨-١٢-٢٠٢١

 (١) https://youtu.be/fpsC2Q_HWB8
       https://youtu.be/H_JcfojP-jQ
(٢) الاسبان يستعملون مصطلح ( الكارثة El desastre de Annual) كوصف لموقعة (انوال ) و هي تغطي عندهم المرحلة التي تمتد من هزيمة (داهار ؤ باران ) إلى ( استسلام داهار ؤ عرْوي ). وتعريف ”الكارثة العسكرية“ في تاريخ العمليات العسكرية ( هو عبارة عن هروب قوة عسكرية متمرسة و شرسة و ملاحقتها بالطعن و القتل بدون رحمة من قبل  العدو الذي يكون عدده أقل بكثير من الجيش المهزوم)
(٣) https://ar.wikipedia.org/wiki/إقليم_الدريوش
(4) Martha Nussbaum: Mogelijkheden scheppen, een nieuwe benadering van menselijke ontwikkeling, Ambo 2012.
(5)  ( أ،ب، ج) Luis Miguel Francisco, Morir en Africa: la epopeya de los soldados españoles en el desastre de Annual, Critica Barcelona, 2017

مكتب التحرير

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *