مقالة: في البلدان العادية، التي تحترم نفسها، وجب منح المسلمين القيمة اللائقة بهم
ترجمة: عبد الحفيظ الشريف
عزيزي مارك، في رسالتك الأخيرة**، ليوم الإثنين المنصرم، دعوتنا الى تحسين سلوكياتنا و القيام بما يتطلب منا و يتحتم علينا كمواطنين في هذا البلد، أعني المملكة الهولندية، أما إذا تعذرذلك و إستمرينا في غينا و زيغنا، فما علينا إلا أن نرضخ للأمر الواقع و أن نجمع حقائبنا و نغادر أرض الوطن، ذهبت إلى القول أنك تنزعج كثيرا، إذا أستغل هامش الحرية المتوفر لجميع المواطنين في دولة ديمقراطية كهولندا، للقيام بأعمال مشينة تعكر صفو المجتمع و تكدر نقاء و سعادة حياتنا و راحتنا. أجزم أنك تقصد طبعا مجموعة المواطنين الهولنديين من أصول تركية الذين خرجوا في مظاهرات الى الشوارع للتعبير عن ولائهم و دعمهم اللامشروط للرئيس التركي الطيب أردوغان.
وبما أنك مؤرخ، فإنك تعلم أكثر مني، بأن التظاهر بمثابة الخط الأحمر في تاريخ مجتمعاتنا، فالذي يتظاهر بهدف الدفاع عن قضاياه كائنا من كان، و لعمري إنه من أعلى مراتب الإندماج. ربما تنزعج بعض الشيء لهؤلاء الهولنديين من أصول تركية، كونهم يتظاهرون لقضايا تتعلق بوطنهم الأم، لكننا لا نراك تنزعج عندما يتعلق الأمر بالهولنديين اليهود، الذين يناصرون قضاياهم في دولة إسرائيل، و بذلك لا تعدهم ضمن فئة غير المندمجين في مجتمعاتناإ
كما أنه حسب ما يبدو لي، أنك غير راض، بشأن موقف مجموعة تنتمي الى مجتمعنا و في الوقت نفسه رافضة لقيمنا و عاداتنا، فدعنا نواجه الأمر بأكثر شجاعة، و نقلص من أعدادهم بمآت الآلاف التي ستشمل الجيل الأول و الثاني و الثالث من الهولنديين، الذين إستقروا و أضحوا مواطنيين كاملي المواطنة، يبذلون قصارى جهدهم للمساهمة و المشاركة الفعلية في مجتمعهم، و بذلك سيحصل الشهرة لرئيس وزرائهم بتحقيق هذه الإنجازات. أثبتت مجموعة من البحوث أن الأقليات متى ما سمح لها و مكنت من ممارسة بعض عاداتها و حافظت على هويتها، أسهمت بشكل أكثر في في تنمية مجتمعاتها.
لقد نجحت في تشخيص الداء، فالمجموعات السكانية التي يصعب إدماجها في مجتمعاتنا، ينبغي أن نجد لها حلولا عاجلة، ومن هذه الحلول التي تقدمتم بها، طرد هذه المجموعات دونما شرط أو قيد، لكنني أخال أن لنا تجارب مشينة مع عملية الطرد هاته، تجاربنا مخجلة في هذا المجال، إذ أن مجموعة الشباب الهولنديين الذين إلتحقوا بداعش، يشكلون اليوم خطرا حقيقيا على شعوب الدول العربية، و على مجتمعاتنا في حالة عودتهم، لذا فقد أنشئت أجهزة ماكنات إستخباراتية ضخمة، بغرض متابعة تحركات هؤلاء الشباب، و يوما بعد يوم نشهد تقليص حرياتنا نحن كمواطنين أوربيين، جراء هذه الإجراءات، لذا فإنني شخصيا، أرى أن هذه الحلول غير ناجعة البتة.
-لماذا تشهد الأقليات الصينية بهولندا تحقيق نجاح باهر على كل الأصعدة و المستويات؟
أود في البداية أن أقرر مسلمة مفادها، أننا نتحمل المسؤولية الكاملة تجاه هؤلاء الشباب الذين إلتحقوا بالدولة الإسلامية، فلو أن مجتمعاتهم أتاحت لهم فرص العيش كمواطنين أصليين، و مكنتهم من مزاولة حقوقهم المشروعة وواجباتهم كسائر المواطنين، في الدول الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان، لما غادروا بلدهم و بذلك كنا قد ساهمنا بتقديم بدائل حقيقية بدل تقديمهم كبش فداء. إنني منهمك على إعداد سلسلة من المحاضرات في هذا الباب، لذا أتقدم بطلب دعوتكم للحضور معنا ولو لمرة واحدة.
و ما دمنابصدد الحديث في موضوع الإندماج، الذي تضمنته رسالتكم، التي وصلتنا ليلة واحدة قبل صدور تقرير بيت الحساب العام، حول تقييم دروس المواطنة، الذي خلص الى أن النتائج كانت كارثية للسياسة الفوقية التي إعتمدتموها طيلة هذه السنوات الأخيرة، و بهذه المناسبة أود أن أأكد على ضرورة إعادة النظر في سياسية الإندماج التي نهجتها الحكومات المتعاقبة،و الدفع في إتجاه التشجيع على الإعتماد على القدرات الذاتية للمشاركة في الحياة العامة.
وكما يبدو لي، سنعمل معا على طرح ما أسميتموه ” طريقة عيشنا” في شكل عقد إجتماع، ونطلب بعد ذلك من مختلف الأقليات أن يستعملوا ثقافاتهم كعصى نجاة، إذ تغدو الثقافة بناءعلى هذه المقاربة، أقرب الى المحفز على المشاركة في مجتمعاتنا على أساس من القبول و الإحترام المتبادل، كما تجدر الإشارة الى أن هذه الوصفة المقارباتية سبق و أن أتت أكلها في موضوعات و قضايا تتعلق بقضايا حقوق الإنسان.
أضحى المجتمع الصيني بهولندا مثالا يحتذى في هذا المجال، فالصينيون في هولندا يحتلون المراتب الأولى مقارنة مع كل الفئات الإجتماعية الأخرى، بما فيها الهولنديون الأصليون، و بخاصة فيما يتعلق بالنجاح على المستوى الإقتصادي و الأكاديمي، و هذا لم يتحقق نتيجة إمضاء عقد مشاركة في دروس المواطنة او الإندماج التي تفرضها الدولة على القادمين الجدد، بل نتيجة الإخلاص و التفاني للقيم الصينية الأصيلة التي تحث على العمل الجاد و الشغف بروح المقاولاتية و حب المعرفة و الإعتماد على الذات. بالإعتماد على هويتهم الثقافية و الحضارية تمكن الصينيون من إيجاد مكانة محترمة لا يستهان به داخل المجتمع الهولندي.
لا ينبغي كبت الوازع الديني لدى المسلمين
بالإعتماد على نفس المقاربة السالفة الذكر، فإنك ستجني نفس الثمار بشأن المسلمين في هولندا، بالنسبة لهم فإن الدين يكاد يكون الحافز من الدرجة الأولى، في عملية الإندماج، فعلى الرغم مما يعتري هذا الكلام من مفارقات، فللسهر على عملية إندماج المسلمين بشكل لائق و صحيح، وجب ضرورة تمكينهم من حرياتهم في مزاولة شؤونهم التعبدية دون ضغوط ما، تحجمهم عن أدائها أو ممارستها. هذا يسري أيضا على تمكينهم من حقوقهم المشروعة في تأسيس المدارس الإسلامية، و الكف على الترويج للأطروحة السائدة ، التي مفادها أن تلاميذ هذه المدارس، أقل جاهزية و قدرة من غيرهم على خوض غمار الإنصهار في المجتمعات الحديثة، فبمجرد ما تمنح الفرصة للتلاميذ لتطويرهويتهم الذاتية في مجتمع تسوده الثقة، تجدهم يحرزون نجاحات باهرة في المجتمعات التي تستوعبهم. و في بعض الحالات التي تكون هذه المدارس في حاجة الى مساعدة او دعم أو تشجيع، فتقتضي الأعراف أن يتم مساعدتهم، لكن، دعنا لا ننسى أن المدارس الإسلامية تحقق نتائج أفضل مقارنة بالمقارنة مع باقي المدارس الأخرى، فيما يتعلق بالإمتحانات الوطنية و التوجيهية.
إن فكرة الإندماج بالإعتماد على القدرات الذاتية، تنسجم و الأطاريح المؤسسة للثقافة الليبرالية، لهذا أتقدم لدعوتك للنظر في هذه الافكار و العمل بها خلال رئاستك للحكومة المقبلة التي أتمناها لك بصدق.
مع تحياتي الليبرالية، توم زفارت
*توم زفارت: عضو الحزب الليبرالي الذي يرأسه رئيس الحكومة الهولندية الحالي مارك روتا، أستاذ جامعي في مدينة أترخت لمادة حقوق الإنسان،بناء على طلب من خيرت فيلدرس، رئيس حزب الحرية اليميني المتطرف، شارك كشاهد و خبير أثناء عملية محاكمته.
**الرسالة هاته وجهها رئيس الحكومة الحالي مارك روتا عن الحزب الليبرالي الى كافة الهولنديين، و ذلك يوم 22 يناير 2017.