“لاَكروا “الفرنسية: انتخابات الجزائر ستزور ونظام بوتفليقة مهدد بالانهيار
أصبح واضحا أن العواصم الغربية قلقة من الحالة الجزائرية، التي لم يسبق لها نظير من حيث انعدام الشفافية حول من يحكم ومن يصدر الأوامر، والمستقبل المنظور، كما يتسبب الوضع الاقتصادي بمزيد من التأزم، وتنتج عنه حركات اجتماعية غاضبة؛ هذا ما عبرت عنه صحيفة “لاَكروا “الفرنسية، الأربعاء، عبر صفحتها الرئيسية وصفحتين داخليتين، ضمن ملف حمل عنوان: “أي مستقبل من أجل الجزائريين”؟
وكتب مراسل الصحيفة أن الانهيار المستدام لأثمان المحروقات في الجزائر دفع البلد للدخول في حقبة من التقشف، وهو ما يهدد بانفجار حالة من الغضب في الشارع الجزائري حسب تقرير أوردته صحيفة “العربي الجديد” اللندنية.
وتحدثت الصحيفة عن خسارة البلد، في العام الماضي، لنصف العائدات الخارجية، وهو ما دفع مصرف الجزائر إلى التخفيض من قيمة الدينار، واضطُرّت معه حكومة عبد المالك السلال إلى الحد من استيراد العديد من البضائع، وبسبب تراكم إجراءات التقشف وازدياد الأسعار، التي قدّرتها الحكومة سنة 2016 بـ (6.2) في المائة، فإن الحياة اليومية للمواطنين ازدادت سوءا.
ولم يقتصر استياء المواطنين على القطاع الخاص، بل امتد إلى القطاع العمومي في نهاية سنة 2016، وشهد حركات اجتماعية تحتج على إلغاء الحق في التقاعد النسبي دون اشتراط سنّ معينة، وتتحدث الصحيفة عن تواصل هذه التظاهرات والاحتجاجات، منذ الأحد الماضي، في عدة ولايات، بعد تصويت البرلمان على هذا الإصلاح.
كما أن قانون المالية لسنة 2017، (الذي تحدث عن تأزم لا مفر منه في مستوى عيش الجزائريين) ساهم بدوره، في تفجير حركات اجتماعية غاضبة، تحولت في مدينة بجاية بمنطقة القبائل، إلى أعمال شغب. وقد هاجم شباب غاضبون قوات الأمن وقاموا بنهب محلات تجارية ومنشآت عمومية، وانتقلت عدوى الاضطرابات إلى عدة مدن ووصلت إلى تخوم مدينة الجزائر العاصمة.
وتذكّر الصحيفة الفرنسية بأن السلطات تخشى حدوث سيناريو شبيه بما حدث سنة 2011، حين جرت أعمال شغب، تواكبت مع الانتفاضة في الدولة المجاورة تونس، بعدة مدن جزائرية، مما تسبب بوقوع قتلى وجرحى.
وإزاء هذه الوضعية المقلقة، لا تملك السلطات الجزائرية سوى المزاوجة بين العصا والجزرة، بحسب الصحيفة؛ فوزير الداخلية لم يُخف أن الرد سيكون بالقمع الشديد، مع التأكيد في وسائل الإعلام الرسمية على أن الحكومة لن ترفع الدعم، هذه السنة 2017، عن المواد التي يتم استهلاكها بشكل واسع، ولكنّ الحكومة الجزائرية التي اشترت السلم الأهلي في الماضي تعرف أن الظروف ليست مُناسِبةً لها الآن، لإعادة التجربة؛ إذ تنقل الصحيفة عن نائب في المعارضة قوله: “سنة 2011 صبّت الحكومة أموالا عمومية طائلة، ووزعت قروضا كثيرة على الشباب من أجل ضمان هدنة خلال بضع سنوات، ولكنها لا تستطيع فعل ذلك، اليوم، بل العكس هو ما تهيئه للجزائريين”.
ويتسم النصف الثاني من الولاية الرئاسية الرابعة لعبد العزيز بوتفليقة، بخطورة بالغة، كما تقول الصحيفة، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية التي سبّبها انخفاض أسعار الخام، ومن هنا فالهامش المتبقي للرئيس ولأغلبيته، هو بتنفيذ سياسة تقشف، ولن يحقق ذلك المعجزات، وهنا لا يخفي أحد المقربين من رئيس الجمهورية أن “مخاطر زعزعة نظام الرئيس بوتفليقة، الذي يعاني، في آن واحد، من ضعف جسدي وسياسي بسبب قضايا الفساد، هي مخاطر جدية، ويمكن أن تظهر في هذه السنة”، وهو ما يتطلب، كما يقول اقتصاديون جزائريون عديدون “الخروج من نموذج التبذير في توزيع الريع النفطي، لأن الريع النفطي أصبح، الآن، خارجَ الجزائر”.
وإذا كانت الجزائر تجنبت منذ سنتين، مصير فنزويلا، بفضل مدخراتها من العملة الصعبة التي راكمتها في حقبة النفط الغالي الجميلة، إلا أن هذه المدخرات هي في طور الذوبان (من ما يقرب 200 مليار دولار، سنة 2014، إلى ما تحت 100 مليار دولار خلال هذه السنة 2017، بعد أن كانت في حدود 114 مليار دولار نهاية 2016).
وفي ردها على سؤال، ما هو الحلّ للخروج من هذه الكارثة المحققة؟ تقول الصحيفة إن كثيرين يرون أن على البلد أن يُنوّع مصادر الدخل، وأن يوسّع الإيرادات الجبائية خارج قطاع النفط، ولكن على الحكومة في هذه الحالة أن تَقبل، كما يقول رجال أعمال جزائريون، بتخفيف قبضتها على الاقتصاد، وإلا فإن المثال التونسي، في ظل زين العابدين بن علي، واردٌ، كما تقول الصحيفة، في إشارة إلى تحكّم عائلة (بن علي-طرابلسي) في الاقتصاد، وهو ما شلّ الاستثمارات الأجنبية في تونس، وهي إشارة إلى الدور الهام الذي يلعبه سعيد بوتفليقة، أخ الرئيس، في الاقتصاد الجزائري.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، تشير الصحيفة الفرنسية إلى تدني مكانة الجزائر العالمية في ما يخص الشفافية، بسبب الفساد، فترتيبها، في آخر إحصاء 2016، هو 108 بعد أن كانت في المرتبة الثامنة والثمانين، سنة 2015، من بين 176 بلدا.
وفي موضوع ثان بعنوان: “غياب شفافية السلطة السياسية” تتساءل الصحفية ماري فيرديي: من يحكم الجزائر؟ وتتحدث عن غياب الرئيس في اللحظات المهمة من الحياة السياسية الجزائرية، وكمثال لها، قمة الاتحاد الإفريقي، نهاية الأسبوع الماضي، ولكن رغم غياباته المتكررة، فإن المقربين منه يتحدثون عن تحسن صحته، بل وعودة إمساكه بالسلطة، وحتى طموحه في الترشح لولاية خامسة سنة 2019.
“هذه هي حال الديمقراطية في الجزائر”، كما تقول الصحفية، التي تنقل عن حسني عبيدي، مدير مركز دراسات وأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف قوله: “سيظل عبد العزيز بوتفليقة رئيسا مدى الحياة، لقد بذل الحُكمُ كلَّ الجهود لإزالة أي بديل له، وأصبح البلد صحراء سياسية”، وتنهي الصحيفة مقالها المتشائم بالقول: “في بلد لا يرى أي بصيص تغيير، تَعِدُنا الانتخابات التشريعية في شهر مايو/أيار القادم بألا تكون إلا شكلية، رغم تأسيس هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، في شهر يناير/كانون الثاني”، وهو ما يعني أن الانتخابات القادمة ستكون مزورة، كما تؤكد بعض أحزاب المعارضة الجزائرية.