رسالتي إلي الشباب: الجزء الثاني “كن إيجابيا…وتفاعل مع من حولك” – ذ. عبدالقادر الصالحي
أخي الشاب حفظك الله، كن إيجابيا…وتفاعل مع من حولك
فالشخص الإيجابي يحمل معاني التجاوب، والتفاعل، والعطاء، وهو الفرد، الحي، المتحرك، المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه، والسلبية: تحمل معاني التقوقع، والانزواء، والبلادة، والانغلاق، والكسل.
والشخص السلبي: هو الفرد البليد، الذي يدور حول نفسه، لا تتجاوز اهتماماته أرنبة أنفه، ولا يمد يده إلى الآخرين، ولا يخطو إلى الأمام .
والمجتمع السلبي الذي يعيش فيه كل فرد لنفسه على حساب الآخرين مجتمع زائل لا محالة، كما أن المجتمع الإيجابي مجتمع راقٍ عالٍ لا شك.
فالمسلم الإيجابي عندما تعرض له مشكلة يفكر في الحل فهو يرى أن كل مشكلة لها حل والسلبي يفكر في أن المشكلة لا حل لها، بل يرى مشكلة في كل حل. المسلم الإيجابي لا تنضب أفكاره والسلبي لا تنضب أعذاره، كذلك المسلم الإيجابي يرى في العمل والجد أملا والسلبي يرى في العمل ألما. والمسلم الإيجابي يصنع الأحداث والسلبي تصنعه الأحداث، والمسلم الإيجابي ينظر للمستقبل والسلبي يخاف المستقبل، كما أن المسلم الإيجابي يزيد في هذه الدنيا أما السلبي فهو زائد عليها .
لهذا -أيها الشاب المبارك- فإن السلبية هي أخطر آفة يصاب بها فرد أو مجتمع، بينما الإيجابية هي أهم وسيلة لنهضة أي أمة؛ فمن الحقائق المسلِّم بها أن نهضة الأمم تقوم على أفراد إيجابيين مميزين بالأفكار الطموحة والإرادة الكبيرة، كما أنها نجاة من هلاك الأمم والشعوب قال تعالى “ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود:117) ولم يقل صالحون إنما قال مصلحون، وهناك فارق بين صالح ومصلح فالصالح صلاحه بينه وبين ربه، أما المصلح فإنه يقوم بإصلاح نفسه وإصلاح غيره .
وهكذا المسلم يرى الأمل دائما غير منقطع وينظر إلى الواقع وإن اشتد عليه بإيجابية وتفاؤل. وفي الحديث “من قال هلك الناس فهو أهلكهم”. (رواه مسلم عن أبي هريرة). ( فهو أهلكهم أي أشدهم هلاكاً..).
في هذا الحديث يبين صلى الله عليه وسلم عظم من قال في الناس أنهم هلكى، لأن في ذلك حكم على عموم الناس بالهلاك وهو أمر غيبي لا يستطيع أحد الاطلاع عليه إلا بالوحي، والوحي قد انقطع من السماء. فكان جزاؤه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن القائل بذلك أنه أهلك الناس وأفسدهم، وهذا على رواية الرفع (بضم الكاف من أهلكهم).
أما على رواية النصب (بفتح الكاف من أهلكهم) فمعناها أنه أهلك الناس بكلامه ذلك وقنطهم من رحمة الله تعالى. قال الحافظ ابن عبد البر: هذا الحديث معناه لا أعلم خلافا فيه بين أهل العلم أن الرجل يقول ذلك القول احتقارا للناس وازدراء بهم وإعجابا بنفسه..
وقال الخطابي: معنى هذا الكلام أن لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول قد فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك من الكلام يقول صلى اللّه عليه وسلم إذا فعل الرجل ذلك فهو أهلكهم وأسوأهم حالاً مما يلحقه من الإثم في عيبهم والازراء بهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه فيرى أن له فضلاً عليهم وأنه خير منهم فيهلك .
فانظروا إلى هذا القول فقط كيف يؤدي بالمرء إلى الهلاك والخسران، وهو مجرد قول لا مساس فيه بأموال الناس ودمائهم وأعراضهم، وكل هذا لأن قائل هذا القول نظرته للمجتمع سوداوية لا أمل فيها..
لهذا فإنه لا مجال للمقارنة بين الشخصية المتميزة وبين الشخصية السلبية أو الصفرية…
الفرق بينهما كالفرق بين الليل والنهار..وبين الجماد والكائن الحي.. وبين الوجود والعدم. والدليل على هذا قوله تعالى “وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ“ (النحل:76) لقد سمى الله الشخصية السلبية (الصفرية أو الدونية) في هذه الآية ” كّلاً” والإيجابية بـ ” يأمر بالعدل”.. “كلّ” أصعب من سلبي.. لأن سلبي معناها غير فعال أما كلّ فمعناها الثقيل الكسول وقبل هذا فهو “أبكم” لا يتكلم ولا يرتفع له صوت .
وهذا عالة على المجتمع؛ لأنه ضيق الفكر ونظرته متشائمة في غالب تصرفاته، وهذه الشخصية لا تنتج وهي ضعيفة الفاعلية والإنتاجية في كافة مجالات الحياة، بل إن الإنسان السلبي لا يرى للنجاح معنى، ولا يؤمن بمسيرة ألف ميل تبدأ بخطوة، بل ليس عنده همة الخطوة الأولى، ولهذا لا يتقدم ولا يحرك ساكناَ وإن فعل في مرة يتوقف مئات المرات، وفوق هذا كله، تراه دائم الشكوى والاعتراض والعتاب والنقد الهدام.
وأما الإيجابي فهو الذي وصفه الله بقوله ” يأمر بالعدل” فهو هنا الشخصية البناءة والمنتجة في كافة مجالات الحياة حسب الاستطاعة والإمكانية، المنفتحة على الحياة ومع الناس حسب نوع العلاقة، ويمتلك النظرة الثاقبة.. ويتحرك ببصيرة “بالعدل” فهو يوازن بين الحقوق والواجبات (أي ما له وما عليه) مع الهمة العالية والتحرك الذاتي، والتفكير دائما لتطوير الإيجابيات وإزالة السلبيات.
وإليك -أيها الشاب المبارك-هذه الرواية الطريفة وتمعن فيها جيدا، وهي:
قصة هجوم أسد على أهل قرية بشكل مفاجىء.. وإزاء هذا الهجوم المباغت أنقسم الناس إلى فريقين رئيسين.. الإيجابيون بادروا إلي صد الهجوم ورمي الأسد بالحجارة.. وتقديم العون والإسعاف للمحتاجين.. أما السلبيون فتساقطوا من هول الصدمة ولم تعد لديهم القدرة على الحراك.. وجزء آخر منهم تفرغوا لمشاهدة الأحداث والتعليق عليها.. وبينما كان مجموعة من الأفراد يحملون أحد الأشخاص لإسعافه مروا على أحد الواقفين((للفرجة)) فقال المحمول للواقف.. لماذا أنت واقف في مكانك لا في العير ولا في النفير.. لا تساعد الناس في إسعاف المصابين.. ولا تذب عن حياض القرية برمي الأسد بالحجارة.. فرد الواقف معلقاً على كلام المحمول ((أنا على الأقل تحملني قدماي أما أنت فيحملك الناس))
الحوار كان بين فردين ينتميان للفريق السلبي.. لكن أيهما كان أكثر سلبية من الآخر.الواقف أم المحمول؟.. أعتقد ومن وجهة نظري أن كليهما سلبي.. ولكن المحمول موغل إلى درجة كبيرة في السلبية.. يلقي بتبعة فشله على الآخرين.. وكان الأولى بمن حملوه طرحه أرضا أوتقديمه وجبة شهية للأسد !!
بمقارنة الإيجابي والسلبي نجد أن الأول يفكر دائما في الحلول.. ولا تنضب أفكاره.. ويساعد الآخرين.. ويرى حلا لكل مشكلة.. وهو قد يجد الحل صعبا لكنه يؤمن بأنه ممكن.. ويعتبر الإنجاز التزاما يلبيه.. ولديه أحلام يحاول تحقيقها.. ويرى أن العمل أمل.. وينظر إلى المستقبل ويتطلع إلى ما هو ممكن.. ويختار ما يقول.. ويناقش بقوة وبلغة لطيفة.. ويتمسك بالقيم ويتنازل عن الصغائر ويصنع الأحداث.. الإيجابي على الدوام يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه.
يا باحثا عن سر ما ترقى به الأمـــــــم**** ومفتشاً عن ما به يتحقق الحلــــــــــم
السر في عزماتنا نحن الشبـــــــاب ولا**** تخبو العزائم عندما تعلو بها الهمــــــم
نحن المشاعل في طريق المجد تسبقنا *** أنوارنا ولوهجها تتقهقر الظلـــــــــــــم
في الروح إصرار وفي أعماقنا أمل**** لا يعتري خطواتنا يأس ولا سئم
واذا الحياة مصاعب سنخوضها جلدا*** واذا الجبال طريقها فطموحنا القمم
الأستاذ عبدالقادر الصالحي، الكاتب العام لمؤسسة السلام للعلوم والتربية والأعمال الإنسانية – هولندا