قراءة نقدية لسياسة البعثات الدينية إلى الخارج: الجزء الثاني – ذ. محمد صالحي
ذ. محمد صالحي / هولندا
يمكنكم قراءة الجزء الأول هنا
من التسلط إلى الشراكة
كما هو معلوم على المستوى السسيولوجي بالنسبة للمجتمعات الحديثة فإن هناك أزمة كبيرة تعاني منها مؤسسات التأطير التقليدية بسبب انهيار مفهوم السلطة التقليدي. هذا يرى بوضوح داخل المؤسسات التعليمية والتربوية، داخل الاسرة وفي العلاقات الاسرية، في الاعلام، في علاقات العمل داخل الشركات و المؤسسات التجارية، وكذلك في العلاقة بين المرشد و الواعظ مع جمهوره. ظاهرة الوعاظ الجدد كما هو الحال على القنوات الفضائية نموذج يؤشر على ما نقول.
باختصار فإن السلطة التقليدية اضطرت الى التنازل عن بعض امتيازاتها من أجل الحفاظ على وجودها. هذه الظاهرة يمكن تلخيصها بظاهرة الدمقرطة او الشورى، كما يسميها القرآن الكريم، على كل الاصعدة. بمعنى اعادة ترتيب كل انسجة السلطة التي تشكل العلاقات الانسانية في اطار مجتمع معين على اساس التوافق و التشاور و التداول و إعادة ترتيب العلاقات و الادوار والشرعية من أجل تفعيل كل الخلايا التي تشكل الجسد العام للمجتمع للانخراط في عملية البناء كل من موقعه. ( هنا دور السلطة كمفهوم، يسدد ويقارب و يربط وينسق و ويوفق و يسهل، مفهوم يشبه المطاط. وليس أسمنت مسلح كما هو الحال في الانساق التقليدية للسلطة )
الجالية على مفترق طرق
فاذا رجعنا الى الجالية في وضعها الديني الحالي وما مدى إمكانية الاستفادة من هذه البعثات التي تزورنا في موسم شهر رمضان المبارك، فلابد أن نأخذ هذا المشهد بعين الاعتبار حتى يكون عملنا على بصيرة و لا نلقي باللوم عند الفشل على الاخرين.
من المعلوم أن الجالية المغربية في هولندا من أكثر الجاليات التي يتم تداولها في النقاش العام الهولندي عندما يتعلق الامر بمشاكل الاندماج؛ يتعلق الامربتدني المستوى التعليمي و الدرجات العلمية و المهنية المحصل عليها، تدني المشاركة في سوق العمل، نسبة الشباب العاطل عن العمل عالية أو يزاولون أعمالا في الدرك الاسفل من حيث المكانة الاجتماعية، نسبة تعاطي الاجرام و دخول السجون عالية، التفكك الاسري و نسبة الطلاق داخل الاسر المغربية مرتفعة، الاضطرابات النفسية و السلوكية عند الاطفال و الشباب و الشيوخ في تزايد مستمر. وآخرا و ليس أخيرا تنامي ظاهرة التطرف الديني و الالتحاق بالجماعات الدينية القتالية الى المناطق التي تنشط فيها. ظاهرة يحتل فيها الشباب المغربي دورا متقدما عن باقي الجاليات الاسلامية. هذا التوصيف السلبي القاتم يصدق على المستوى العام للجالية، وهي نسبة صغيرة بالمقارنة مع الاشخاص الذين يساهمون بشكل كبير و في صمت في عملية بناء و تقوية مكانتهم الاجتماعية. ربما تكون الجالية المغربية من أكثر الجاليات حضورا ومشاركة على كل الاصعدة في المجتمع. وهذا لا يغيب على كل منصف محايد.
لكن هذا لا يعني ان الجالية بخير. فخسارة نفس واحدة خسارة لكل النفوس، و هذه الظواهر السلبية في تزايد مستمر و وصلت الى مستوى مقلق لا يمكن أن نغطيها بتضخيم الذات و المدح الزائف الذي نراه يتكرر بشكل مخجل في الخطاب الرسمي عندما يتم الحديث عن الجالية في الخارج.
نعود فنقول أن الهوية الدينية للمغارية، أمر يحتاج الى مقاربة علمية تشاركية فعلية و جادة وليس استغلالها فقط كظاهرة اعلامية صوتية وموسمية. فإذا حصرنا النقاش في البعثات الدينية الرمضانية كنموذج لهذا البراديجمه فاننا نقول بدون استاذان بأن المقاربة لهذا الموضوع لحد الان مقاربة فاشلة لانها تعتمد الطرق التقليدية السلطوية في الاشتغال على هذا الموضوع مما يهدر الطاقات ويشتتها في مواجهة التحديات الجديدة. والدليل على هذا هو أن الجالية المغربية مخترقة من الناحية الدينية وقابلة للاستغلال و الاستثمار من قبل تيارات دينية و أيديولوجية متطرفة و انعزالية أو منحرفة مميعة. بينما هناك جاليات أخرى استطاعت أن تحافظ على تماسكها الديني و الاجتماعي لحد الآن، كما هو الحال بالنسبة للجالية التركية.