قراءة نقدية لسياسة البعثات الدينية إلى الخارج: نموذج هولندا.. الجزء الأخير – ذ. محمد صالحي
ذ. محمد صالحي/ هولندا
ضرورة إيجاد البدائل الجذابة للشباب
فنحن أذن أمام صورة سلبية تكونت في ذهن الخاص و العام عن كيفية اختبار هولاء المرشدين الدينيين و عن الموهلات العلمية و المهارات التواصلية التي يتمتعون بها.
هذه النماذج تجعل الشباب المغربي يزداد نفورا من المساجد المغربية و من الوعاظ و المرشدين الذين يزورن المساجد في شهر رمضان، ويبحثون عن بدائل أكثر جاذبية وشهية عبر القنوات الفضائية الشرقية، و الانترنيت، أو يبحثون عن أْئمة ودعاة قادرين على اشباع فضولهم ونهمهم الروحي. هذا كله لان النموذج الرسمي سواء منه المحلي أو القادم من المغرب غير قادرين على بناء علاقة ثقة و بناء قنوات تواصل إيجابية بين الفاعل المحلي و المؤسسة الدينية الرسمية التي انتجت سياسة تدبير الشان الديني في داخل الوطن.
طبعا هناك محاولات لايجاد وسائط مؤسسية تربط الجالية بثقافة الوطن الام مثل مجلس الجالية المغربية، و المجالس العلمية، و اتحاد علماء المغارية بأوروبا، وهي مبادرات لا يمكن التقليل من دورها في ايجاد اجوبة مناسبة للجالية – رغم اللبس وغياب الشفافية الذي اكتنف تأسيسها وكيفية اختيار أعضائها و طرق محاسبتها، وطبيعة العلاقة بينها و بين مؤسسات الجالية المحلية – لكن هذه المؤسسات لا يمكن الاستعاضة بها عن مؤسسات الجالية و عن الوجوه الفاعلة و الجادة في وسط الجالية. فهناك مبادرات فردية و جماعية أكثر احتكاكا بالواقع وأكثر فهما للحساسيات السياسية و الاجتماعية و الثقافية لابد من ايجاد شراكة متكافئة معها لبناء نموذج لمقاربة تدبيرية للشأن الديني للجالية أكثر واقعية وفعالية.
من الفوضى إلى التخطيط ومن التسلط إلى الشراكة
هذه الاشكالات التي يطرحها علينا واقع الهجرة و الجالية لابد من دراستها دراسة علمية متأنية حتى نقدم اجابات عملية فعالة لمواجهة الفوضى الدينية التي تعيشها الجالية وتستفيد منها الاتجاهات المتطرفة و المنحرفة.
الجالية المغربية في حاجة ماسة إلى تفعيل ممانعة دينية قوية قبل فوات الاوان. السياسات و الاستراتيجيات و الوسائل المستعملة حاليا لاستعادة المبادرة وبناء هوية دينية مغربية، تتبنى نظرة أحادية سلطوية قائمة على الاحتواء و الاستقطاب وتسير في اتجاه معاكس لمقتضيات دستور ٢٠١١، و الخطاب الرسمي الذي يتحدث باستمرار عن ضرورة الشراكة و المقاربة التشاركية.
المساجد المغربية تتعرض لهجمة شرسة من طرف التيار الوهابي السلفي حتى كادت المساجد المغربية أن تخلو تماما من أي مظهر من مظاهر التدين المتعارف عليه في المغرب. فلا قراءة للحزب في الصباح و المساء، و لا دعاء جماعي بعد الصلوات الخمس و لا دعاء القنوت في صلاة الصبح . بل هناك أئمة يقرؤون القرآن برواية حفص بينما هم درسوا في المغرب وحفظوا القرآن وفق رواية ورش. ومن الائمة المغارية من يفتي الناس بفتاوى الشيخ ابن باز و فتاوى الالباني في قضايا العبادات و المعاملات و الاخلاق مما يسبب لعامة الناس ارتباكات ويثير عندهم شكوك حول مدى صحة التعبد على مذهب مالك. وتشتد هذه الازمة عند الشباب الذي لا يكاد يستوعب اسباب هذه الاختلافات الفقهية المذهبية. بل من الائمة ممن يشتغل في مراكز اسلامية مغربية، من يجهر بتبديع من يخالف المذهب الحنبلي وهو يظن أنه يفتي الناس بصحيح الكتاب و السنة على طريقة السلفية!!!
هذه أمثلة بسيطة تتعلق بالعبادات التي يمارسها الانسان في حدود المسجد أو المنزل، فكيف بنا إذا تطرقنا لقاضايا فقهية تتعلق بالحياة العامة التي يواجهها المسلم في حياته الاجتماعية وفي علاقته بالاخرين؟