قراءة نقدية لسياسة البعثات الدينية إلى الخارج: نموذج هولندا الجزء الرابع – ذ. محمد صالحي
ذ. محمد صالحي
البعثات الدينية وانتظارات الجالية
نعود فنقول بأن المرشدين و الدعاة الذين يتم اختيارهم لمهمة الوعظ و الارشاد والذين تستقبلهم الجالية خلال شهر رمضان لا ترقى إلى مستوى التحديات و الانتظارات و لا تستجيب لتطلعات وحاجيات الجالية فيما يتعلق بالمهمة التي وكلت اليهم. بل تؤكد الصورة النمطية التقليدية للفقيه أو الامام الذي جاء من أجل (حاجة و زيارة ) كما يقال عندنا في المغرب. وإذا وجد بين هولاء المرشدين من كان متألقا و في المستوى فهذا لحد الآن استثناء يؤكد القاعدة. هنا كذلك اسئلة كثيرة يتداولها الخاص و العام حول كيفية اختيار هولاء الاشخاص لهذه المهمة وما مدى أهليتهم لها علميا و تربويا ؟ هل يتوفرون على مؤهلات تواصلية حديثة لاثارة فضول المستمع وتشويقه لمتابعة دروسه، دعك عن طريقة الالقاء وإدارة النقاشات الحوارية حول المواضيع الحسساسة التي تشغل جيل الشباب من ذكور و إناث.
الطبيعة لا تحب الفراغ و الجالية لا تحب الانتظار
وبما أن الطبيعة لا تحب الفراغ كما يقال، فأن جهات أخرى منافسة تقوم بدعوة دعاة ومرشدين من المشرق و من المغرب ذات توجهات سلفية وهابية يتم تمويلها من جهات رسمية و غير رسمية للترويج للفهم السلفي الوهابي للاسلام. هذا التيار الذي جعل مهمته الاساسية تشكيك المسلمين في عقائدهم الدينية السنية الاشعرية، وتصوفهم السني، و إثارة الشكوك حول الفقه المذهبي وتبديع و إكفار المسلمين الذين لا يشاركونهم فهمهم للاسلام. هذا التيار يبدو انه في نمو مستمر وله تأثير يزداد يوما بعد يوم في اوساط الجالية المغربية ويخترق كل الفئات بدون استثناء. كما أن هناك التيارات الشيعية التي تحاول أن تجد موضع قدم لها وسط الجالية المغربية في هولندا. ولا ننسى التيارات الالحادية و الافكار الليبرالية التي تستهوي الشباب وتشجعه على الخروج من دائرة الاسلام. كما ان هناك جماعات منحرفة تحاول أن تتخلص من بعض الضوابط الاخلاقية و الدينية التي تعتبر من صميم الاسلام تحت راية تجديد الاسلام وتحديثه وتكييفه مع المجتمعات الغربية المابعد حداثية.
هذه التحديات لا يمكن مواجهتها بالمرشدين و الوعاظ التقليديين الذين لا يتقنون اللغات الاجنبية، ولا دراية لهم بالاتجاهات الفكرية الفلسفية و الاجتماعية و النفسية الحديثة، ولا علم لهم بالحاجات النفسية و الاجتماعية للشباب و طرق التواصل معهم.
كثير من المهتمين بالشأن الديني يرون أن الجالية في حاجة إلى مقرئين للقرآن ممن يتوفرون على الصوت الجميل أكثر من حاجتهم الى وعاظ و مرشدين من هذا الطراز التقليدي. فهولاء ليسوا أحسن حالا من الائمة المقمين عندنا. فالاجدر أن يتم بعث مجودين ومقرئين يجمعون الناس حولهم بحسن ترتيلهم للقرآن مما يتيح الفرصة لمؤسسات المساجد لجمع الاموال لبناء مساجد جديدة أو إصلاحها وتوسعتها.
فقد رايت أكثر من مرة كيف أن جمعية اسلامية أندونسية تتوفر على مكان صغير للعبادة لكنها تقوم بكراء مدرسة كبيرة أو قاعة رياضية مغطاة في شهر رمضان وتستضيف مقرئا اندونسيا يدرس في السعودية في كل رمضان من أجل أداء صلاة التراويح. فماذا يحدث؟ معظم الزوار الذين يحضرون الى هذه القاعة من شباب وشابات الجالية المغربية. يتوافدون على المكان لاستماع القراءة الجميلة الندية التي وهبها الله لهذا الامام الذي اختير بعناية لهذه المهمة. بينما المساجد المغربية الرسمية في الحي لا يزورها إلا كبار السن من الرجال و النساء، بينما الشباب و الشابات تعج بهم باحة المدرسة أو القاعة الرياضية المهياة لهذا الغرض. فيتم جمع اموال كثيرة في كل ليالي رمضان. و يلقن الشباب افكارا ومفاهيم تخالف النموذج الديني الذي تربى عليه ابناء المغارية في أسرهم. أما الاموال التي تجمع فالله وحده يعلم فيما تستعمل؟ وهذه مؤسسة دينية غير رسمية لكنها توضف جهودها بطريقة ذكية لتمويل مشاريعها بأموال وجهود مغربية، بينما مؤسسات المساجد المغربية خاوية على عروشها أو تكاد.
وهذه السياسة يتم استنساخها من طرف مؤسسات سلفية ناشطة لاستقطاب الشباب واستمالتهم إلى مراكزهم مستعملين اللغة الهولندية وقنوات التواصل الاجتماعية العنكبوتية ، بينما المساجد المغربية التقليدية تستعمل اللغة العربية الفصحى التي لا يكاد يفهمها أحد و إذا ترجمت خطبها ومحاضراتها فبلغة ركيكة ، مخشبة و مملة.