قراءة نقدية لسياسة البعثات الدينية إلى الخارج: نموذج هولندا الجزء الثالث – ذ. محمد صالحي
ذ. محمد صالحي
الهوية الدينية المغربية للجالية و الفرص الضائعة
أن السوق الدينية الاسلامية في أوروبا تعج بمنتوجات ونماذج دينية مختلفة في ظل سوق مفتوح وجو ديمقراطي و مستهلك فتي نهم يحمل معه خلفية نفسية و فكرية و اجتماعية وقتصادية هشة على العموم وفي ظل حراك اجتماعي يتسم بالتاقطب و تنامي ظاهرة الترقب و التوجس و الخوف بل و العداء في بعض الاحيان لكل ما هو اسلامي، وفي ظل ظروف دولية متطرفة ترى الحل للصراعات الدولية في إذكاء نار الحرب و تأجيج العواطف و تغليبها على الحكمة و الاناة وتغليب المصلحة الاقتصادية الآنية على القيم الانسانية و المصالح المشتركة المستدامة.
ككل السلع المعروضة فأن هذه المنتوجات والنماذج الدينية تستعمل كل الوسائل المتاحة من أجل الولوج الى كل المنازل و الوصول الى كل مراكز الادراك المتاحة عند الفئة المرجوة. مستفيدة في ذلك بما توفره الامكانيات الحديثة من وسائل التواصل الاجتماعية و الاعلامية الشخصية و العامة؛ من صورة، و افلام، و تسجيلات، ومواد للقراءة، و الموسيقى، و الانشودة، و القصة ، و بكل ما يتفرع عن هذه الاجناس من انواع و أشكال. لكن تبقي المقاربة الانسانية الشخصية أكثر تاثيرا و فعالية في الصياغة و التأثير على شخصية الفتيان و الفتيات و في تشجيعهم و تحريضهم على أخذ القرارات المصيرية، مثل العدول عن أو تبني الافكار العنفية او الهجرة إلى المناطق المتوترة من اجل المشاركة في العنف أو تسهيل الطريق اليه.
فما هو حال الموسسات المغربية التي يتوقع منها أن تساهم في تاطير الاجيال الناشئة تـاطيرا دينيا متوازنا في ظل دولة ديمقراطية علمانية، لا يسمح لها الدستور و الاعراف الاجتماعية ان تتدخل في توجيه الجماعات الدينية و الاعتقادات الشخصية أو التأثير فيها أو الحد من حريتها ما دامت لا تتعارض مع ما يضمنه الدستور من حريات و حرمات؟
الدولة العلمانية في هولندا ليست دولة معادية و لا محابية للدين بل تريد أن تقف على مسافة واحدة ومحايدة من كل الاديان و الايديولوجيات؟ و بالتالي فعلى كل مجموعة دينية أن ترتب شوونها الداخلية و تنظم نفسها وفق قناعاتها في ظل النظام العام الذي يجب ان يكون في خدمة الجميع بغض النظر عن قناعاته و ميوله الشخصية و الايديولوجية. هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجهه المسلمون في اطار بناء مؤسسات اسلامية متجذرة في المجتمع الهولندي واندماج متوازن مع القدرة على تنمية و تجديد الهوية الدينية الخاصة التي تعتبر من حقوق الانسان الاساسية. وهو كذلك التحدي الذي تواجهه الدول الديمقراطية في الغرب.
البعثات الدينية : من المقاربة العشوائية إلى المقاربة العلمية
فيما يخص سياسة البعثات الرمضانية في ضوء هذا الواقع الذي وصفناه باقتضاب و اختزال فأن هدف هذه البعثة الاساسي يُفترض أن يكون هو ضمان الاستفادة منها بشكل فعال وكثيف في مدة زمنية قصيرة مع ضمان وصول صداها الى أكبر عدد ممكن من الجمهور، حتى بالنسبة للفئات التي لا تحضر الى المراكز الاسلامية بشكل نظامي أو لا تحضر اليها أصلا.هذا يجرنا الى اسئلة تتعلق ببناء نظرة كلية لهذا الواقع، وعن الاستراتيجية التي يجب اتباعها في مقاربة هذا الواقع واخيرا الطرق الاجرائية للتدخل الفعلي من أجل تنمية وتغيير الواقع. و لا ننسى الامكانيات المادية و البشرية التي يجب أن تستثمر في هذا المشروع.
ثم ننتقل إلى اسئلة تتعلق بالمضمون؛ مثل نوعية الخطاب ولغة التخاطب التي تحتاجها الفئة المستهدفة؟ و ما هي الاطر القادرة على مخاطبة هذا الجمهور المتنوع من حيث الجنس و العمر و الاهتمامات و المستوى الثقافي و المعرفي ولا ننسى الايديولوجي ؟ ( سلفي، صوفي، مذهبي تقليدي أشعري، بل و حتى الشيعي؟) بأي لغة نخاطبه؟ ( هولندية، عربية، أمازيغية، دارجة مغربية ….). ما هي الاشكاليات العامة و الخاصة التي تواجهها الجالية على المستوى التربوي و النفسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الفكري.؟ ما هي مستويات التدخل من أجل المساهمة في أقتراح حلول للتحديات و الاكراهات التي تواجههاالجالية؟ ما مدى مساهمة الجالية في صياغة برنامج تدبير الشأن الديني المغربي؟ و ما طبيعة العلاقة التي تربط الجالية بهذا البرنامج و كيفية تكييفه بالحالة القانونية و الاجتماعية و السياسية لهولندا؟ هل تقوم هذه العلاقة على التعاون و التشاور و التقييم المشترك أم هي علاقة أحادية يقتصر فيها دور الجالية على تنفيذ برامج صيغ في إطار برنامج تدبير و تاطير الشأن الديني الموجه للاستهلاك الداخلي ويراد للجالية أن تلتحق به دون ان يؤخذ رأيها وما تقترحة بعين الاعتبار؟
اسئلة كثيرة ملحة لكنها للاسف يتم إغفالها و مواراتها بالضجيج الاعلامي و الحيل الادارية و السياسية الضيقة الافق.إذا كنا جادين في وضع سياسات جديدة ذات أفق و مستقبل بعيد المدى فينبغي أن نجد مخارج تشاركية تشاورية شفافة للاجابة على هذه الاسئلة بناء على المقاييس و المؤشرات التي اشرنا إلى بعضها أعلاه.
لكن هل حصل شيئ من هذا فيما يخص الواقع الديني للجالية وبالخصوص فيما يتعلق بالبعثات التي تفد علينا من المغرب خلال شهر رمضان المعظم؟
تحدي الإشراك
في مقال نشره أسماعيل حمودي في جريدة االتجديد بتاريخ ٠٧-١٠-٢٠٠٨ حول تدبير الشأن الديني في المغرب تطرق فيه للتحديات التي تواجه الوزراة المعنية من أجل انجاح الاصلاحات التي دشنت في ٢٠٠٤. قال فيه:
(( ويمثل هذا تحديا آخر للوزارة الحالية، في إعمال أسلوب الإشراك والشراكات مع عموم الفاعلين في الحقل الديني، وخاصة على المستوى الشعبي، وهو توجه لم تقدم فيه الوزارة الوصية أي شيء منذ بدء الإصلاحات التي تنفذها منذ ,2004 خاصة وأن الإشراك في تنفيذ السياسات العمومية يكاد يكون اليوم إحدى مرتكزات كثير من القطاعات الحكومية.ومن شأن إشراك الهيئات والمنظمات والجمعيات العاملة في الحقل الدين، أن يسهم في حل مشكلة الخصاص في الموارد البشرية اللازمة لتنفيذ المشاريع المعلن عنها، خاصة أن لبعض تلك الهيئات تجربة مهمة في الميدان، وتملك من الأطر والعلماء ما يمكنها أن تنهض بنجاح في تحقيق الأهداف المتوخاة منها.))
وهذا الكلام يقصد به الكاتب بالاساس الوضعية الداخلية، لكن بما أن الدستور الجديد يعتبر مغاربة العالم شريك اساسي في بناء و تنمية الوطن، فإن هذا الكلام يشمل الجالية بطبيعة الحال.
الموشرات الحالية وبعض القرارات الارتجالية لوزير الاوقاف تدل على أن تدبير الشأن الديني في المغرب لا يبشر بخير.