في أوروبا وأمريكا…”الشعب يريد إسقاط الإرهاب والتمييز ضد المسلمين” – ذ. يوسف بورايب
ذ. يوسف بورايب – هولندا
نائب رئيس مؤسسة السلام للعلوم والتربية والأعمال الإنسانية
بحناجر صادحة ومواقف معبرة انطلقت جموع من الغربيين في حملات تضامنية مع المسلمين، اختلطت خلالها أصوات الاستنكار بدموع الحزن، وهتافات الغضب بمشاعر الألم، ولسان حالهم جميعا: لا للإرهاب، لا للتطرف، لا للعنصرية والتمييز، أرواحنا فداء للسلام، وأجسادنا طوق نجاة للمسلمين!، ارحلوا عنا يا أعداء الإنسانية، ارحلوا عنا يا تجار الحروب والكراهية!
من منّا لم يشاهد تلك اللوحة الإنسانية الجميلة التي رسمتها أجساد أهالي مدينتي روتردام والكيبك وهم يطوقون المساجد والمراكز الإسلامية؛ حماية للمصلين، وتعبيرا عن رفضهم الاعتداء على القانتين الساجدين.
ومن منّا لم يتفاعل مع تلك الدموع التي انهمرت من رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، حزنا على ضحايا الحادث الإرهابي، وتأثرا من منظر جنائز المسلمين المسجاة أمام عينيه، والماثلة أمام ناظريه، وكأنها تستنصره وتستصرخه، بأي ذنب قتلت!
ومن منّا لم يقف مشدوها أمام تلكم الملحمة البطولية التي سطر أحداثها أصحاب الضمائر الحرة من الأوربيين والأمريكيين، بمداد من التضحيات، احتجاجا على السياسات التمييزية الممنهجة ضد الإسلام والمسلمين.
إنها مواقف تستحق منا معاشر المسلمين الثناء والتثمين، والشكر والتقدير، كما تقتضي منا الإنصاف والبعد عن التعميم، والحذر من تلك الاطلاقات الهوجاء التي تتهم الجميع بأنه محارب، والجميع في مقام التهييج على هذه الأمة، بل الذي يقتضيه العقل والعدل هو مد الجسور مع أصحاب الأصوات المعتدلة، والتمييز بينهم وبين المعتدين من بني قومهم، واستثمار مواقفهم في نصرة الحق ونشر رسالة التعايش والتسامح والسلام.
ولاشك أن هذا الزخم الشعبي، والحس التعاطفي سيزداد ويتمدد، ممّا يتطلب منا تغذيته بسلسلة من المبادرات التي تعزز قيم الحوار والانفتاح الإيجابي على الآخر، وتصحّح النظرة والصورة الذهنية النمطية التي تقرن بين المسلمين وكل فعل إرهابي، وتتصدى للتحالف المشؤوم غير المعلن بين الإرهاب التكفيري والطائفي باسم العقيدة والدين، والإرهاب العنصري باسم القومية والوطن.
وفي خضم هذا الحراك الشعبي المساند لقضايانا العادلة مازالت أيدينا على قلوبنا، خوفا أن تختطف هذه الومضات من أحد الموتورين من بني جلدتنا، إما بتفجير، أو بأي تصرف أرعن تعيدنا إلى دائرة الاهتمام والاتهام…فاللهم استر!
1 Comment
الجميل في القرآن أنه لا يعتبر من ألقى السلام كافرا:”ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا” (س. النساء).تحمل هذه الآية مدلولا عظيما في تشكيل العلاقات الاجتماعية على أساس من السلم والسلام، لأن المؤمنين بمدأ السلام سيوفرون دماءنا مهما اختلفنا معهم في الاعتقاد والرأي. خطرت على بالي هذه الأية وأنا أقرأ هذه المقالة، مواطنين أحرار هبوا إلى المساجد تطوعا لحمايتها وحراستها أثناء صلاة الجمعة.
وأحسب أن هؤلاء المواطنين من تلك الشرائح الإنسانية التي آمنت وتربت على اللاعنف. وكما نعلم أن هذه الشرائح والتيارات تتشكل في مؤسسات قوية راسخة، تحقق دعوة إبراهيم عليه السلام القديمة التي جرت أحداثها في البيت الحرام لتشمل الكرة الأرضية كلها، لا يسفك دم إنسان فيها.
إن المسلم الذي يحمل الحقد ضد المواطنين الهولنديين والغربيين عامة كفر بمعاني الآية التي استشهدنا بها، وكفر بدعوة إبراهيم عليه السلام الذي بعث من أجل حماية كرامة الانسان، وهي جوهر دعوته ودعوة الأنبياء أجمعين من بعده.
يجب علينا كمسلمين في هذه البلاد أن نستوعب هذه الحقيقة، ونبدأ بالتعليم، وخلق الثقافة الايجابية، وتغيير ما بالعقول والنفوس، وعندما تكتمل هذه الأفكار التغييرية، ستفيض علينا بخير الرب وبركاته، ونؤسس لمرحلة جديدة، نودع فيها الظلام ونرى النور. وساعتها.. وساعتها فقط سنسعد ويسعد معنا أصدقائنا المواطنين الذين آمنوا باللاعنف والسلام. وهذا وعد من الله، والله لا يخلف وعده.