في ذكرى رحيل علي عزت بيغوفيتش – ذ. محمد أزرقان
ذكرني مقطعا من مقاطع الفيديو على (الفيس بوك) بالفيلسوف علي عزت بيغوفيتش الذي فقده المسلمون ولم يستفيدوا من فكره، بل فقدته البشرية جمعاء ولم تنتبه لفكره الذي يعالج معظلة انسانية خطرة: صراع المادة والروح. أتذكرالتجربة التي عانيتها مع مؤلفه: الاسلام بين الشرق والغرب عندما قمت بدراسته في أوسط التسعينات القرن الماضي. ليس المقصود أن تقرأ هذا الكتاب قراءة عابرة وكفى، بل يتطلب جهدا ووقتا لكي تفهم مراميه. هذا المؤلف يحوي بين دفة صفحاته أفكارا مصيرية لتاريخ الإنسانية. وأنت عندما تتصفح وتقلب في صفحاته، فكأنك تتيمم لتلج باب معبد الفكر والفلسفة التي أنتجها العقل البشري منذ فجر التاريخ. إن هذا الكتاب أعتبره بمثابة سفر وكنز فكري لا يقدر بثمن. ولقد دهشت لكثرة غزارة أفكاره وتنوعها. يقدم منهج الإسلام كحل وسط بين اللبيرالية الغربية والشيوعية الشرقية، أو كما سماه (نظرية الطريق الثالث). وهذا الطرح للإسلام الذي يقدمه للإنسانية، يفسره تفسيرا فلسفيا، بمعنى: يقدم الإسلام كمنهج فلسفي- إنساني، يستطيع أن يخرج الإنسان المعاصر من محنته النفسية وشقاءه. وبعد انتهائي من قراءة هذا السفر الذي زاد في توسيع وتخصيب آفاقي الفكرية، انكببت وبلهفة على قراءة مؤلفه الآخر بعنوان: (هروبي إلى الحرية)، وهو كتاب أفكاره تعبر عن معانات سجن صاحبه في الثمانينات، وكلماته كلها ترمز إلى قوة روحه وفكره الذي لا يستطيع حاجز أو قيد أن يوقفها عن العطاء والتفكير، كما يشير هو بنفسه في مذكراته: “لم أستطيع الكلام، ولكني استطعت التفكير، وقررت أن أستثمر هذه الإمكانية حتى النهاية. وأدركت منذ البداية بعض الحوارات داخل ذاتي عن كل شيء، وكل ما يخطر على البال..”
إنه كتاب يضمن أفكارا وحقائق أدبية، سجلها السيد (بكوفيش) عندما غيبه في غيبات السجن النظام الشمولي في يوغسلافيا السابقة. وهذه الشذرات من الأفكار، كتبها كتحد روحاني لأسلاك قلعة السجن وجدران الزنزانة، كما يشير عنوان الكتاب: (هروبي الثقافي إلى الحرية). وهذا يعني أن روح الرجل، كانت تتمتع بحرية لا مثيل لها، ولا يستطيع المستبد أن يسلبها حريتها ويوقفها عن التفكير والإبداع، والتنديد به رغم جبروته وأسوار سجنه. وصاحب الروح اليقظة والحرة، يعلم علم اليقين أن النظام الشمولي والمستبد سيندحر وينتهي إلى الزوال يوما ما، ليرتاح العباد والبلاد من شروره وفساده. وهو بالضبط ما حصل مع هذا النظام الشيوعي المستكبر الشمولي. هبت العاصفة التي لا تبقي ولا تذر، فدمرت جدار برلين وأزاحت عن المسرح (هوينكر وشاوشيسكو) وتبعثر حلف وارسو، وتزلزل الإتحاد السوفييتي ويوغسلافيا.