طنجة، عروسة الشمال
طنجة هي مدينة مغربية تقع شمال المملكة المغربية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، يبلغ عدد سكانها 1،065،601 نسمة، وفق الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014، وهي بذلك سادس أكبر مدينة في المغرب من حيث عدد السكان. تتميّز طنجة بكونها نقطة التقاء بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي من جهة، وبين القارة الأوروبية والأفريقية من جهة أخرى. طنجة هي عاصمة جهة طنجة تطوان الحسيمة وهي من أهمّ المدن في المغرب. وتعتبر المدينة واحدة من أهم مراكز التجارة والصناعة في شمال أفريقيا كما تعد قطباً اقتصادياً مهمّا لكثرة مقار المؤسسات والمقاولات، وأحد أهم المراكز السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية بالمغرب. تاريخ مدينة طنجة غني جدا نظرا لكونها مركز التقاء للعديد من الحضارات المتوسطية. فقد أُنشئت المدينة لتكون حاضرة أمازيغية و مرفأً فينيقياً خلال القرن الخامس قبل الميلاد. و قد أثرت عدة حضارات متعاقبة على هذه المدينة بدأً باليونانيين وانتهاءً بالحضارة الإسلامية.
التسمية
تقول الأسطورة الشفوية المتداولة بين سكان مدينة طنجة أنه بعد الطوفان ضلت سفينة نوح الطريق خلال البحث عن اليابسة، وذات يوم حطت حمامة فوق السفينة وشيء من الوحل في رجليها، فصاح ركّاب السفينة “الطين جا، الطين جا”، أي اقتربت اليابسة، ومن ثم سميت المنطقة “طنجة”.
أما الأسطورة الإغريقية فتقول إن أنتي ابن بوسيدون وغايا كان يهاجم المسافرين ويقتلهم وقد صنع من جماجمهم معبداً أهداه لأبيه، وأطلق على مملكته اسم زوجته طِنجة وكانت تمتد من سبتة إلى ليكسوس. وفي معركة قوية بين هرقل وأنتي استطاع هرقل أن يهزمه، وفي الصراع شقت إحدى ضربات سيفه مضيق البوغاز بين أوروبا والمغرب والمغارات المشهورة باسمه، ثم تزوج بعد ذلك زوجة أنتي، فأنجبت له سوفوكس الذي أنشأ مستعمرة طنجيس. ويقال كذلك وفق أسطورة أخرى أنها تحمل إسم الآلهة “تِنجِيس” إبنة الإله أطلس كما يقال أن الإسم السّامي للمدينة هو “تيجيزيس” ويعني “ميناء” وهو الإسم المرجح للمدينة إذ يتفق مع واقعها وموقعها الإستراتيجي.
خلال العصور الإسلامية حافظت المدينة على تسميتها طنجة، لكن أطلق المسلمون عليها عدة تسميات كالبيضاء وليلى. وحالياً تلقب المدينة عادة بجوهرة الشمال أو بعاصمة البُوغاز.
التاريخ
العصور القديمة
تعد طنجة من بين أقدم مدن المغرب أسسها الملك الأمازيغي سوفاكس ابن الأميرة طنجيس حوالي 1320 سنة قبل الميلاد و استوطنها التجار الفينقيون في القرن الخامس قبل الميلاد وسرعان ما تبوأت مركزا تجاريا على سواحل البحر الأبيض المتوسط. ضمتها الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد و أصبحت سنة 42 م عاصمة للمقاطعة الرومانية (موريطانيا الطنجية). وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية استولى الوندال على طنجة و ذلك سنة 429 م حيث استولى عليها الملك [غايسيريك] و قام بجعلها عاصمة لمملكة الوندال و مقرا لتنفيذ هجوماته على أراضي الإمبراطورية الرومانية شرقا بعد أن أقطنها نحو 80.000 من الوندال . بعد انهيار مملكة الوندال سنة 534 استولى البيزنطيون على المدينة التي فوض حكمها لمملكة القوط الغربيين بإسبانيا و ذلك باسم قيصر القسطنطينية حتى فتحها الأمويون عام 702.
العصور الإسلامية
استعادت طنجة حيويتها مع انطلاق الفتوحات الإسلامية لغزو الأندلس علي يد طارق بن زياد سنة 711م لكن سرعان ما استطاع الثوار البربر بقيادة ميسرة المضغري الاستيلاء على المدينة و جعلها عاصمة لهم و لانتشار مذاهب الخوارج في المغرب و ذلك سنة 740 م و قد دامت هذه الامارة حتى سنة 791 م حيث عادت هيمنة الخلافة في الشرق لكن لمدة لم تزد على السنتين ثم بايع أهالي طنجة إدريس بن عبدالله العلوي بعد أن تحولوا للمذهب الشيعي الزيدي على يد الدعاة العراقيين ، سنة 904 استطاع الفاطميون اقتحام مدينة طنجة و قطع الدعوة الإدريسية بها ، لكن إخلاص الطنجيين للمذهب الزيدي و رفضهم للتعاليم الإسماعيلية التي فرضها الفاطميون عليهم جعلهم يعيدون البيعة للحسن الحجام الإدريسي سنة 905
ظلت مدينة طنجة خاضعة لحكم الأدارسة من عاصمتهم قلعة حجر النصر ، لكنها خضعت لمرات عديدة للهجوم القادم من الشمال على يد الأمويين الذين نجحوا بإنهاء الدولة الإدريسية في حجر النصر و بالتالي صارت مدينة طنجة خاضعة مباشرة للسلطة الأموية ثم العامرية بالأندلس .
سنة 1017 عادت التوترات المذهبية للطفو مرة أخرى بين السنة و الزيدية و قد أدى ذلك إلى تفكير أهالي طنجة في الاستقلال و مبايعة أحد الدعاة الأدارسة و هو علي بن حمود الإدريسي و بالتالي استقلت طنجة عن الأندلس بل و استطاع بنو حمود السيطرة على الأندلس و رفع دعوة الخلافة فيها .
سنة 1062 قام أحد مماليك بني حمود و يدعى سواجات البرغواطي بالاستقلال عن السلطة الحمودية في الأندلس . كما قام بضم مدينة سبتة و جبال غمارة و تسمى بالمنصور بالله و قد استمرت إمارته و ابنه ضياء الدولة العز على المدينتين حتى سنة 1084 حيث قتلا و هما يدافعان على ملكهما على يد القادة المرابطين
بعد استيلاء المرابطين على طنجة سنة 1084 تم فرض المذهب السني المالكي على أهالي طنجة و تم قطع الدعوة الزيدية بها ، لكن سرعان ما سقطت دولة المرابطين على يد الموحدين و ذلك سنة 1145 حيث استولى هؤلاء على مدينة طنجة .
استمرت السلطة الموحدية في طنجة حتى سنة 1239 حيث أعلن سكان طنجة اتباعهم لأمراء سبتة العزفيين . و خلال هذه الفترة أصبحت طنجة ميناء عسكريا و تجاريا مهما . كما أنها خلال هذه الفترة أنجبت أحد أبنائها الأبرار الذين مجدوا ذكرها و هو الرحالة ابن بطوطة . كما وصل إشعاعها الحضاري إلى مناطق بعيدة عن العالم العربي كمناطق المحيط الهندي و في مقدمتها المالديف و سريلانكا
انتهت إمارة العزفيين سنة 1327 على يد الأمراء المرينيين الذين استولوا على طنجة و استعملوها كمركز للدفاع عن الأندلس و ميناء لعبور المتطوعين ، و خلال هذه الفترة شهدت طنجة إحدى أهم المواجهات الصليبية – الإسلامية في الغرب الإسلامي و هي معركة طنجة التي اندلعت بعد قرابة شهر من حصار البرتغاليين لطنجة بقيادة الدوق هنري : دوق فيسو . بينما تولى قيادة العساكر المغربية القائدين صالح بن صالح و أبي زكرياء يحيى الوطاسي . و قد انتهت هذه المعركة يوم 19 أكتوبر 1437 بهزيمة نكراء للبرتغاليين .
خلال الفترة المرينية – الوطاسية شهدت طنجة انتعاشا ديموغرافيا كبيرا . حيث استقبلت مئات الأسر الفارة من مناطق مختلفة من الأندلس و بالأخص من الجنوب الأندلسي كما أنها أصبحت إحدى أهم موانئ الاستقبال لهؤلاء الفارين بدينهم و الذين توغل بعضم إلى بوادي شمال المغرب أو إلى مدينتي فاس و سلا .
لكن البرتغاليون نجحوا في احتلال المدينة فعليا سنة 1471 . مما أدى إلى حدوث نزف ديموغرافي خطير . فقام الآلاف من سكانها بالهجرة إلى البوادي القريبة خوفا من المحتلين ، في حين فضل الآخرون البقاء و المقاومة ، و قد كانوا يعيشون مع حاميات برتغالية حولت المدينة إلى ثكنة عسكرية برتغالية شمال إفريقيا . و مع ذلك حافظ البرتغاليون على علاقة محايدة مع السكان المحليين الباقين بعد أن أدركوا أن مصدر الثورة غالبا ما سيكون دينيا و بالتالي احترموا مجبورين عقائد السكان المحليين على خلاف السياسة البرتغالية آنذاك في مستعمراتها . كما خلفت هذه الفترة آثارا عمرانية تتمثل في عدد من الأبراج و القلاع و الكنائس
ظلت طنجة تحت الاستعمار البرتغالي حتى سنة 1580 حيث انتقلت المدينة للحكم الإسباني بعد الانفصال الفعلي لمملكة البرتغال عن إسبانيا . لكن انتقلت ملكية المدينة مرة أخرى للملك الإنجليزي تشارلز الثاني ، كمهر للأميرة كاثرين براغانزا . و بالتالي انتقلت الحامية الإنجليزية إلى المدينة . و قد قام الإنجليز بإعادة بناء الميناء الإسلامي الذي مكنهم من السيطرة على مضيق جبل طارق و بالتالي السيطرة على التجارة في كل البحر الأبيض المتوسط .
طوال فترة الإستعمار الأجنبي ، لم تسلم مدينة طنجة من محاولات استردادها برا عبر الحاميات المنظمة للقبائل المجاورة و بحرا عبر أساطيل القراصنة التابعين للإمارات الجبلية المختلفة في تطاون و العرائش و شفشاون و القصر الكبير . و كان أن استطاع الأمير أحمد الخضر غيلان استرداد مدينة طنجة سنة 1678 . لكن سرعان ما استولى الجيش العلوي المفربي على مدينة طنجة بقيادة السلطان إسماعيل بن الشريف العلوي ، الذي قام بتصفية الخضر غيلان و الاستيلاء على طنجة سنة 1684
تبقى أهم مرحلة ثقافية وعمرانية مميزة في تاريخ طنجة الوسيط والحديث هي فترة السلاطين العلويين خصوصا المولى إسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله. فبعد استرجاعها من يد الغزو الإنجليزي في عهد المولى إسماعيل، استعادت طنجة دورها العسكري والدبلوماسي والتجاري كبوابة على دول البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي عرفت تدفقا عمرانيا ضخما، فشيدت الأسوار والحصون والأبواب. وازدهرت الحياة الدينية والاجتماعية، فبنيت المساجد والقصور والنافورات والحمامات والأسواق، كما بنيت الكنائس والقنصليات والمنازل الكبيرة الخاصة بالمقيمين الأجانب، حتى أصبحت طنجة عاصمة ديبلوماسية بعشر قنصليات سنة 1830م، ومدينة دولية يتوافد عليها التجار والمغامرون من كل الأنحاء نتيجة الامتيازات الضريبية التي كانت تتمتع بها.
خلال العهد العلوي جعلت طنجة عاصمة لإيالة جبالة ، كما جعلت مقرا للخلافة السلطانية التي يمثلها (خليفة السلطان) أي نائبه و الذي يتمتع بمركز سلطة جد قوي ، فبالإضافة إلى مهامه كمشرف على الشمال المغربي و خصوصا إيالتي : جبالة و الريف ، فقد كان مشرفا على العلاقات الخارجية اللدولة الشريفة و مسؤولا عن عقد الاتفاقيات التجارية و العسكرية ، و خلال هذه الفترة تعاقب العديد من الولاة على إيالة جبالة من رتبة باشا ، كما ظهرت عدة أسر طنجية شكلت وزنا سياسيا كبيرا في عموم المغرب و من أهمها أسرة الريفي أو التمسماني .
سنة 1844 و على خلفية تقديم المغرب العون للأمير عبد القادر بن محي الدين الجزائري ، قامت السلطات الفرنسية بقصف مدينة طنجة كخطوة انتقامية و ذلك اليوم السادس من غشت 1844 . و قد أجبرت المضايقات الفرنسية في كل من طنجة و الجديدة المغرب على توقيع معاهدة طنجة في أكتوبر من نفس السنة تعترف من خلالها السلطات المغربية بالجزائر كأراضي فرنسية
سنة 1912 تم توقيع معاهدة الحماية التي حصلت بموجبها فرنسا على المنطقة الوسطى من المغرب في حين حصلت إسبانيا على المناطق الشمالية و الجنوبية ، كما تم نفي السلطان عبد الحفيظ بن الحسن إلى القصر السلطاني بمدينة طنجة التي ظلت تحت تصرفه إسميا ٬ في الوقت الذي كانت نسبة المغاربة في المدينة لا تتعدى 60 بالمئة ، و بالتالي تزايد نفوذ السسفارات الأجنبية التي ادعت أم من مهامها الحفاظ على رعاياها في المدينة
الحرب الأهلية الإسبانية
بعد هزيمة الجيش الإسباني في المغرب عام 1921م على يد الأمير عبد الكريم الخطابي كثرت الفتن في إسبانيا وطالبت الحزب بعودة الحياة النيابية وحقق الجمهوريون بقيادة زامورا فوزا ساحقا وطالبوا الملك عام 1931 م بالاستقالة فهرب من البلاد دون أن يستقيل فأعلنت إسبانيا جمهورية.
بدأ زامورا بإصلاحات لم تعجب الناس فعادت الفوضى من جديد وانتشرت معارك الشوارع والاغتيالات وعجزت الحكومة الشعبية عن السيطرة على الموقف وطالب المحافظون بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل إعلان النظام الجمهوري.
هذه التورات السياسية في الجارة إسبانيا ، تسببت بتوترات مماثلة في طنجة حيث نسبة السكان الإسبان كانت تتعدى 20 بالمئة ، و قد أدى ذلك إلى مطالبة هؤلاء المستوطنين بتمثيل أكبر للسلطات الإسبانية في المدينة
الحرب العالمية الثانية
بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية و مباشرة بعد احتلال باريس من طرف القوات النازية ، يوم 14 يونيو 1940 قامت إسبانيا باحتلال مدينة طنجة و اكتساحها بالكامل . لكن ذلك أدى إلى نشوب أزمة دولية بين بريطانيا و إسبانيا ، و لتفادي حرب جديدة قام الجنرال فرانكو بعقد اتفاقية مع الانجليز يمنح المستوطنين الانجليز بموجبها الحماية بالإضافة إلى امتيازات تجارية ، و من جهة أخرى اعترفت بريطانيا بحق إسبانيا في التصرف بطنجة
لعبت مطارات طنجة دورا كبيرا كنقطة انطلاق لطائرات الحلفاء لمهاجمة قوات المحور في شمال أفريقيا.
حديثا
1956 و مما تقتضيه سياسة السلطان محمد الخامس ملك المغرب من إكمال السيادة الوطنية للمغرب على كل أراضيه ، تم إعلان مدينة طنجة كمدينة مغربية مستقلة و بالتالي فضل العديد من الأجانب مغادرتها باتجاه بلدانهم الأصلية ، كما أصبحت مدينة طنجة مركزا تجاريا و اقتصاديا هاما ، ليس على الصعيد المغربي فحسب بل على صعيد شمال إفريقيا و حوض البحر الأبيض المتوسط .