رسالتي الى الشباب – ذ. عبدالقادر الصالحي

إعلم – أيها الشاب حفظك الله من شر التنظيمات الإرهابية ومن هم على شاكلتهم من التكفيريين وغيرهم، أنّ نعمة الأمن أعظم من نعمة الرزق:
ولذلك قدمت عليها في الآية الكريمة: “وَإِذْ قالَ إِبرَاهيمُ رَبِّ اجعلْ هذَا بلدًا آمنا وَارْزُقْ أَهلهُ منَ الثمرَاتِ منْ آمنَ منهم باللهِ وَاليوْمِ الآخرِ قالَ وَمن كفرَ فأُمتعهُ قليلاً ثمَّ أَضطرُّهُ إِلى عذَابِ النارِ وَبئسَ المصيرُ”.
فبدأ بالأمن قبل الرزق لسببين:
الأول: لأن استتباب الأمن سبب للرزق، فإذا شاع الأمن، شاع كل خير، وهذا مما يدر عليهم رزق ربهم ويفتح أبوابه، ولا يكون ذلك إذا فقد الأمن.
الثاني: ولأنه لا يطيب طعام ولا ينتفع بنعمة رزق إذا فقد الأمن.
فمن من الناس أحاط به الخوف من كل مكان، وتبدد الأمن من حياته ثم وجد لذة بمشروب أو مطعوم؟!
والفائدة الثالثة : أن الله عز وجل قال عن غير المسلم في نفس الآية “وَمن كفرَ فأُمتعهُ قليلاً” ، بمعنى أن الله تعالى لم يحجب عنه نعمة الأمن والرزق في الدنيا، فإذا كان الله تعالى قد أمنه في الدنيا ،فكيف يأتي هذا الإنسان الذي نزعت من قلبه الرحمة والإنسانية ليتسبب في تفزيع الناس والآمنين وترعيبهم بالتفحيرات والقتل ?!!
بل، اسمع أيها المبارك ، ماذا قال ابن عباس في قوله تعالى ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” ، لترى حقيقة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال حينما دعاه بعض الناس ليدعو على المشركين بعد أن أوذوا من قبلهم، فقال لهم الرحمة المهداة والنعمة المسداة ” إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة” صحيح مسلم
قال ابن عباس : أرسله الله رحمة للصالح والفاجر ، فمن آمن به واتبع سبيله رحم في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن به رحم في الدنيا وأجل له الحساب في الآخرة”
والرحمة بغير المسلم في الدنيا أن يعيش آمنا، وأن لا يعتدى عليه بأي نوع من أنواع الاعتداء، كما يجب أن نحسن إليه بالقول والفعل، فالله عز وجل قد صرح بذلك في كتابه المبين فقال” لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”
بمعنى أن الله عز وجل لم ينهنا على أن نحسن إليهم بالقول والفعل ونتعاون معهم على الخير، كما نهانا جل في علاه أن نظلمهم أو نخونهم أو ننقض العهد معهم ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي الطفيل قال:
حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ”
وهكذا سلوك المسلم إذا ما عاهد أحداً وفّى بعهده، وإن اشتمل عقد الوفاء ببعض الظلم له، فقد قبل بعقد المواطنة في بلاد الغرب، وأعطي الإقامة أو الجنسية بناء على ذلك، فوجب عليه الوفاء بما اتفق عليه، وخير مثال لذلك ما حدث- كما ذكرنا آنفا- مع الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مع المشركين في وقت الحرب، إذن ففي وقت السلم أولى وأوجب.
أسأل الله عز وجل أن يصرف عنك – أيها الشاب المبارك- شر الفاسدين والضالين وأن يجعلك من الصالحين والمصلحين وأن يجمل أقوالك وأفعالك بزينة التقوى والأخلاق الجميلة والقيم النبيلة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أتريخت(هولندا): الأستاذ عبدالقادر الصالحي الكاتب العام لمؤسسة السلام للعلوم والتربية والأعمال الإنسانية