رسالتي إلى الشباب: وفرحتاه بقدوم شهر الغفران – ذ. عبدالقادر الصالحي
أيهاالشاب المبارك،
هل تعرف لماذا سمي رمضان بهذا الاسم? هيا تعال معي لندخل سويا هذا البستان اليانع الماتع المملوء بالزهور والرياحين التي يفوح شذاها وعبيرها من أفواه الصائمين، تعال معي يدا في يد لندخل هذا البستان المزهر المثمر، ونقتطف منه ما نريد من عبق وأريج الورود والياسمين.
أول زهرة أقدمها لك أيها المؤمن الصادق، إطلالة بسيطة حول المعنى اللغوي لكلمة رمضان، حتى نقف سويا على اشتقاقها اللغوي ونستخرج الحكمة -بحول الله- من تسمية رمضان برمضان. وسأركز في هذا التعريف اللغوي على أقوى معنيين من معاني هذه الكلمة.
أولا: رمضان في لغة العرب مشتقة من كلمة الرمضاء.
والرمضاء من معانيها شدة الحر.
ومنه قول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم:” صلاة الأوابين حين ترمض الفصال”
صلاة الأوابين هي صلاة الضحى وسميت بهذا الاسم لأنه لا يحافظ على صلاة الضحى في هذا الوقت ( أي حين ترمض الفصال إلا التوابون)
حين ترمض (بفتح الميم) الفصال: الفصال معناها صغار الإبل.
معنى حين ترمض الفصال : أي حين تشتد حرارة الشمس، تلتهب الرمال بهذه الحرارة، فتحرق هذه الحرارة التي انعكست أشعتها على الرمال أخفاف الفصال أي صغار الإبل، فتبرك حينها هذه الفصال على الأرض من شدة الحر.
رمضان مشتقة من الرمضاء، والرمضاء شد الحر.
ما علاقة هذه التسمية أو هذا المعنى برمضان??
سمي رمضان برمضان لأن الصائمين فيه يشعرون بالرمضاء أو الرمض، أي يشعرون بشدة الجوع في بطونهم ويقاسون ألم العطش في أجوافهم.
وهذا المعنى في غاية الجمال والإبداع.
ثانيا: خذ معنى ثانيا وهو من أجمل المعاني وربما تسمع هذا المعنى لأول مرة.
الرمضاء في لغة العرب كما قال ابن منظور في لسان العرب، أن الرمضاء مطر يهطل أي ينزل قبل الخريف. ما وظيفته ? قال: ينزل هذا المطر قبل الخريف بإذن الملك الجليل ليطهر وجه الأرض من الغبار.
وسمي رمصان برمضان، لأنه كما يطهر هذا المطر وجه الأرض من الغبار، فكذلك يطهر صيام هذا الشهر المبارك -بمشيئة الله- الصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أدران الذنوب والعيوب والآثام. وهذا من أجمل معاني رمضان.
وهل علمت أيها الشاب، أن الله عز وجل أنزل جميع كتبه السماوية على جميع أنبيائه ورسله في شهر رمضان. لم ينزل القرآن وحده في رمضان دون الكتب الأخرى، بل أنزل صحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم في شهر رمضان كما بين النبي العدنان عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح من حديث واثلة بن الأسقع:” نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزلت الانجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القران لأربع وعشرين خلت من رمضان”
ولهذه المنقبة الجليلة اختصه الله من بين الشهور، حيث أنزل فيه كل الكتب السماوية، بل وأنزل فيه القرآن الكريم في ليلة القدر، كما قال تعالى” إنا أنزلناه في ليلة القدر..”
لهذا ينبغي على المؤمن الصادق أن يفرح بقدوم شهر رمضان، وأن تكون فرحته فوق فرحة عبد بدنيا مقبلة عليه وإن عظمت. ” قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون” فشهر رمضان شهر الصيام والقرآن، إنه شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران و يعتق الله فيه رقابا وذلك- لا يعلم عددها إلا الله-وذلك في كل ليلة وتصفد فيه الشياطين، وتمحى فيه السيئات وتستدفع فيه النقمات وتقال فيه العثرات وترفع فيه الدرجات وتتنزل فيه الرحمات ويتقرب فيه العبد إلى رب الأرض والسموات..
إن لم نفرح بقدوم هذا الشهر الذي أودع الله فيه هذه المزايا والخيرات والبشريات، فبأي شيء نفرح?
فمن لم يفرح بقدوم هذا الشهر المبارك ، فهو المغبون. خسران ورب الكعبة من أقبل عليه هذا الموسم بهذه المنح الربانية والمكافآت الإلاهية ثم ينسلخ رمضان قبل يغفر له الر حيم الرحمن.
قال عليه الصلاة والسلام في حديث رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح” رغم أنف عبد -أي خسر وذل وهان هذا الإنسان- ، دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له”
فالقنوات الآن تتنافس وتتسابق بالأفلام والمسلسلات والمسرحيات والمهرجانات التي لا ترقب في المؤمنين إلا ولا ذما، فلا تنخدع بهذه الأمور التافهة، فالله يريد أن تخرج من هذا الشهر المبارك بالغاية التي من أجلها فرض الله على المؤمنين الصيام ألا وهي التقوى، والشيطان يريد منك أن تخرج من هذا الشهر خالي الوفاض لا لك ، بل عليك. فاحذر لا تشغل نفسك بهذه الشواغل التي تبعد العبد عن ربه عز وجل وتصرف قلبه وجوارحه عن سيده ومولاه، يقول سيد الرجال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين” إذا جاء رمضان فتحت أبواب الحنة ، وفي صحيح مسلم- إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة- ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر أي ارعوي استحي من الملك المتعال”
لهذا كان سلفنا الصالح يشتاقون لهذا الشهر أيما شوق، يقول معلى بن الفضل” كان السلف يدعون الله ستة أشهر ليبلغهم رمضان ويدعونه ستة أخرى ليتقبل منهم العبادة في رمضان”
ويقول يحي بن أبي كثير” وكان من دعائهم ، اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا”
هيا أخي الحبيب، أختي الفاضلة، افرح بفرحهم وادع بدعائهم لعل الله أن يشملك في هذا الشهر برحمة منه ويعتقك من النار ويغفر ذنبك ويستر عيبك ويغسل حوبك ويرفع درجتك.
هل علمت أن الله هو من سيتولى بنفسه العلية مجازاتك يوم القيامة أيها الصائم، بحسنات لا تخطر على بال أحد ، قال عز وجل في حديث قدسي كما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: ” قال اللَّه عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب. فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند اللَّه من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بصومه، وإذا لقي ربه فرح بصومه” رواه البخاري.
اللهم سلمنا إلى رمضان وسلم لنا رمضان وتسلمه منا متقبلا.
أخوكم عبدالقادر الصالحي