دور الأفكار في البناء الاجتماعي – ذ. محمد أزرقان

من يتأمل في واقع العرب والمسلمين يجد أن الرؤية لديهم لم تتضح بعد حول مشكلة الأفكار أو مشكلة الثقافة والبناء الاجتماعي. فالعقل العربي-الإسلامي برأينا يعاني انفصالا بين الفكر والسياسة، أي أن العقلية العربية لم تصل بعد إلى وضع صيغة منهجية تربط بين الأفكار المنظمة وبين الأحداث الاجتماعية رابطا محددا ومتبادلا.

وهذا الترابط بين طرفي المعادلة (الأفكار من جهة والواقع الاجتماعي من جهة أخرى) هو أمر ضروري ليتضح الدرب الذي يقود إلى حقل العمل وتحقيق النتائج المبتغاة. هو المقياس لكل نهضة سوية يضمن لها العيش والاستمرارية.

يقول مالك ابن نبي:”إن كل ما يؤدي إلى الاختزال أوالمزيد من التعتيم بين الأفكار والأحداث الاجتماعية، لا بد من مراقبته بكثير من اليقظة والحذر..”. نفهم من هذا القول أن مسؤولية المثقف هوتنبيه وتذكير السياسي التائه الدجال اللاأخلاقي إلى العلاقة الجوهرية بين الأفكار والوقائع الاجتماعية.

فالعلاقة، علاقة جدلية بين الثقافة والسياسة أو بين الأفكار والأحداث الاجتماعية والسياسية  في كافة مراحل التاريخ. المجتمع الغربي بنى عظمته وقوته انطلاقا من أصوله المسيحية كما كتب أحد عباقرته: من الانجيل إلى العقد الاجتماعي، فالكتب (الأفكار) تصنع الثورات الفكرية، يقول مالك بن نبي.

ونحن نقول، إن القرآن جاء ليصنع الانسان السوي القوي روحا وعقلا، يستعمل عضلات وقوى عقله لفهم هذه العلاقة الجوهرية بين الأفكار والواقع الاجتماعي .

فالسياسة والخطب البرلمانية لا يمكن لها أن تحل مشكلة الإنسان العربي إلا بفهم طرفي المعادلة. وعلى السياسي إذن أن يقف وقفة تأمل وبحث الثقافة ببرنامجها التربوي الأخلاقي لمراقبة أفعاله وسلوكياته.

إن التعاطي مع واقع مشكلات المجتمع ليتحتم على صناع القرار والسياسيين أن يكتشفوا -ما يسميه باحثي الأخلاق- بالمبدأ الكلي الأساسي في الأخلاق. وهذا المبدأ هو ضرورة من ضرورات الفكر، يضع كل سياسي وكل مسؤول في صراع مستمر حي عملي مع واقع المجتمع.

إن الثورات العربية قد كشفت لنا كثير من الأمراض التي تنخر جسم عالم العرب. وهذه الأمراض تحتاج إلى معالجة ثقافية تغييرية وليس بالسياسة.

في إحدى النقاشات مع بعض السادة الأصدقاء، كان اختلافنا في مسألة علاقة الثقافة بالسياسة، وأوردنا ضمن حديثنا النموذج التونسي: إذا كانت أجواء تونس تسمح بحرية التعبير والدعوة، فعلى المرزوقي كمثقف وكمفكر أن ينسحب من السياسة ويشمر عن ذراعيه ليدعو إلى الأفكار التي آمن بها، يصر ويلح عليها حتى تأتى أكلها ولو بعد حين، طبقا للقانون الإلهي:”فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.

ينبغي على السيد المرزوقي أن لا يلوث نفسه بالدعاوى المثيرة التي يعتمدها هؤلاء السياسيون الأشقياء المفلسون بأنها أخلاقية وفي خدمة الناس وذات مثل عليا. المثل العليا تقاس على قاعدة التي تضعها الأخلاق المطلقة لتوقير الحياة ومعالجة المشاكل معالجة حقة، يرى أثرها في واقع الناس.

الثقافة تمنح السلوك وتولد الغنى الذاتي المتواجد على مستويات المجتمع. الثقافة تمنح امتلاك القيم الإنسانية الأخلاقية، والتي بها يمهد الطريق إلى صنع نهضة المجتمع.

فالمشكلة هنا أن السياسة دون الثقافة ببرنامجها التربوي الأخلاقي تلحق الخراب الروحي بالمجتمع، كما هي صورة العالم العربي حاليا.  وأما نحن عند ما نريد أن نتحدث عن مشكلة الثقافة وعلاقتها بالسياسة أو دور الأفكار في بناء المجتمع، نأخذ بالبحث لكي نتمكن بإحاطة الموضوع من جميع جوانبه ونفهمه فهما واضحا، لأن ما يروج على الفضائيات والمواقع الإلكترونية لا يفيد كثيرا في استجلاء الموضوع.

مكتب التحرير

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.