دروس التاريخ – ذ. محمد ازرقان
ذ. محمد ازرقان
هولندا
يقول القرآن:”وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون”. تشير الآية إلى أن قادة الناس صنفان. صنف يدعو إلى العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية وصنف يطغى ويستبد. المنذرون مقابل المترفون بتعبير الآية. المنذرون عبر الأعصار والأمصار كانوا – ولا زالوا- زعماء شعبيين ثاروا ضد المترفين من أرباب المجد التليد.
فالأنبياء كانوا منذرين، أتباعهم من أبناء الشعب المظلوم والبسطاء والذين أساءت لهم الحياة. فنوح وإبراهيم وزارا وموسى وسقراط وأشعياء وبوذا وعيسى ومحمد وغيرهم كانوا زعماء الحركات الثورية الاجتماعية. وكان المترفون يحسبونه شرذمة مقلقة، تثير الشغب والفتن بين الناس. وكذلك قوم نوح سخروا منه ومن من اتبعه:”وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي..”. كثير من الناس يعتقدون في هذا العصر أن الدين يدعو الشعوب إلى الخضوع والاستسلام لحكامهم الظالمين. ولكن هذا الرأي -باعتقادنا- يعوزه المنطق والموضوعية. هناك فرق جوهري بين الدين المستأجرالذي يستخدمه أصحاب الكراسي والسلطة لدعم بقائهم واستبدادهم وبين الدين الذي أتى به الأنبياء للتغيير وإحداث الانقلاب في التصور.
بكلمة آخرى: الدين الذي يحدث التغيير النفسي والثورة الفكرية الاجتماعية. إن الثورات هي نزعة أصيلة من نزعات المجتمع المتمدن، لا يستطيع أن يتخلى عنها إلا إذا أراد أن يحكم على نفسه بالفناء. ونقرأ في دراسات الاجتماع أن نزعة الثورة تأصلت في نفس الانسان مع بداية نشأة الدولة بمفهومها الحديث. وظلت هذه النزعة العارمة تواصل عملها جيلا بعد جيل – لا تهدأ ولا تفتر. وما الديمقراطية إلا نتيجة لهذا الصراع المرير للإنسانية. جاءت لتغير الصراع من ميدان القتال بالدبابات إلى التنافس على صنادق الاقتراع.فتاريخها طويل ومرير استغرق قرونا طوالا من قتل ودمار ليقتنع إنسان الدولة الحديثة بأن لا حل لمعضلة الصراع الاجتماعي إلا مشاركة الجميع.