المعلم المربي – ذ. عبدالقادر الصالحي
أيها المعلم، يا عماد الأمة وسِنان ونبراس دروب العلم، أنت الذي أثنى عليك رسول الهدى عليه الصلاة والسلام ثناء تتهاوى أمامه كل عبارات قواميس اللغة والبلاغة فقال كما في صحيح الترمذي((إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير)).
رحمك الله يا شوقي يا أمير الشعراء يا من أطلقتها أبياتًا يتغنى بها الخطباء في كل محفل:
قم للمعلم وفه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولًا
أرأيت أعظم أو أجلَّ من الذي *** يبني وينشئ أنفسًا وعقولًا؟!
فأنت السند والمعتمد بعد توفيق الله عز وجل لصناعة جيل مبارك يحملون مشعل هذا الدين العظيم ليضيئوا به الطريق للتائهين في حيادس الظلام ودهمة الليل القاتم، وليمثلوا دينهم وأمتهم أحسن تمثيل سواء في جانب العلم أو في جانب التربية والسلوك والأخلاق…
وأعظم سبيل لمواجهة هذه التحديات هو أنت أيها المعلم المربي، لأنه لا نفاسة لرسالة التعليم والتربية بوجود معلم يقتصر دوره على التلقين وإملاء المعلومات وتكديس ما جاء في المقرر في أذهان الطلبة فحسب، بعيدا عن تربية النشء تربية حسنة وتهذيب أخلاقهم وسلوكهم، بل نريد معلما مربيا يكون ملما متفهماً لحاجات الطلاب الذين أوكل له مسؤولية تربيتهم، بحيث يصحح مفاهيمهم الخاطئة ويغرس فيهم قيمة التعلم والعطاء ويزرع في نفوسهم حب الخير وبذل المعروف ويعودهم على حب دينهم ووطنهم وينمي فيهم بذرة الاعتماد على النفس والشعور بالمسؤلية اتجاه نفسه وأسرته ومجتمعه…..
فالمعلم المربي هو صانع الحدث والتغيير فهو صاحب الموقف في فصله حيث يدخل ويغلق الباب خلفه ويتعامل مع عقول الطلبة بلا رقيب ولا عتيد من الإنس إلا الله سبحانه، لهذا إذا أردت_أيها المعلم المبارك_ أن تحقق ما يصبو إليه كل معلم مرب ناجح فما عليك إلا أن تباشر وظيفتك وعملك بواجب الأخلاق والقيم والتحلي بصفات المعلم المربي الناجح والتي أساسها:
الإخلاص: فيجب أن يتحلى المربي بالإخلاص لله في جميع أعماله، وفي كل توجيه أو تقويم يقوم به تجاه المتربي.
فلا يكون الدافع لذلك: كون ذلك وظيفة يتحصل من خلالها على الراتب، أو السعي للبناء الشخصي وغيرها من الدوافع. كما أن بغياب الإخلاص يحل الرياء والتكاسل والإهمال، وأيضا بغيابه، يغيب الضمير ويصير المعلم بليد الإحساس بالمسؤولية، وعلاوة على ذلك تنشأ ناشئة غير واعية وغير صادقة، صاحبة أنانية وأثرة. إن الإخلاص أكبر وسيلة لنجاح المربي في مهمته، ومن علاماته إقبال الناس وطلابه عليه وحبهم له.
وأعظِمْ به من شرف!! -أيها المعلم المربي- إن ربيت وعلَّمت لوجه الله -تعالى-، واحتسبت الأجر عند سيدك ومولاك، إنك إذًا لمن المفلحين الحائزين على الأجر العظيم من الله -عز وجل-، أليس قد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا” (مسلم)، فإنك إن ربيت طلبتك على الهدى والنور والخير وعلَّمتهم سبل الحق وحذَّرتهم من الجهل والضلالة والغي وأقمتهم على صراط الله وطريق الخير… كان لك مثل أجورهم طوال أعمارهم طالما عاشوا على ما علَّمتهم، بل ومثل أجور كل من تعلم ذلك على أيديهم إلى يوم القيامة، فيا له من باب أجر لا ينقطع!
الأمانة: صفة عظيمة، إذا تملكها المربي في قلبه، تجعله يشعر بعظم المسئولية تجاه من يربيهم فتكسبه الحرص والاهتمام بهم، ومتابعتهم متابعة مستمرة، وهي من أبرز صفات المربي الناجح، ومن خلالها يتم تقويم المتربي ومن ثم توجيهه وإصلاح أخطائه وتدعيم إيجابياته.
واعلم -أيها المعلم المربي- إن هؤلاء الأطفال أمانة في عنقك، فهم أوعية فارغة قابلة أن تـُملأ بخير أو بشر، فإن أهليهم قد ائتمنوك عليهم واضعين ثقتهم فيك، آملين أن تعلمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وأن يرجعوا إلى بيوتهم بعد كل حصة، وقد ازدادوا هدى وإيمانًا ونورًا… فلا تخيب رجاءهم فيك، ولا تخن الأمانة التي استودعك الله إياها، وتذكَّر قول الله -عز وجل-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].
الحزم من غير عسف والرفق من غير وهن ولا ضعف: وهذه الصفة هي أساس وقوام التربية، والحازم هو الذي يضع الأمور في مواطنها فلا يضعف ولا يتساهل في حال تستوجب الحزم من غير عنف، ولا يعنف ولا يتشدد في حال تستوجب اللين والرفق من غير ضعف.
وضابط الحزم: أن يلزم تلميذه أو من يربيه بما يحفظ دينه وسلوكه وعقله وبدنه وماله، وأن يحول بينه وبين ما يضره في دينه ودنياه.
الصدق: هو من أعظم المؤثرات التي تترك في نفوس الناشئة أثرا إيجابيا، وقد وصف الله نفسه بهذه الصفة قائلاً:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا}النساء. والسنة المطهرة، جاءت بالأمر بها وبيان أهميتها ودعت إليها، وذلك حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا..» ولقب الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بالصادق الأمين، فضلاً عن أن هذه الصفة لازمته بعدها.
السلوك الحسن: فهي تكسب المربي الشخصية المرموقة والهيبة المحترمة والقدوة الحسنة. والمربي الناجح هو الذي يسعى إلى المعاملة الجدية والهدي المبارك والسلوك الحسن، وهو الذي يترك في هديه وسمته وسلوكه ومعاملته بين الناس أضعاف أضعاف ما يترك كلامه وتدريسه.لأن بسلوكه الحسن يصير قدوة حسنة ورائقة، يقلده الآخرون، ويتطلعون إلى محاكاته أو الاسترشاد به ليصبح مثالًا حيًا فى سائر أفعاله وأقواله.
قال أحد التربويين:
“إن المربي قدوة بأعماله وسلوكه قبل أن يكون موجهاً للناس بقوله، والفعل والهدي يترك أثراً على النفس أعظم من أثر القول”[مقالات في التربية صـ21].
إتقان طرق التدريس: من أهم ما يميز المعلم المربي وهو أن يكون ملما ومتقنا لطرق التدريس، بل ومتفننا فيها، ويأتي ذلك بالخبرة والدربة والممارسة والمشاركة في الدورات التدريبية التي تعينه على ذلك.
فالطريقة والمهارات والأسلوب الجيد حينما تناسب الزمان والمكان والظرف، فلكل مقام مقال ولكل حادثة حديث وهكذا، مستلهما في كل هذا، المنهج النبوي والطرق التربوية التي اعتمدها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله وتربيته للصحابة الكرام وفي تعامله مع جميع أصناف وطبقات المجتمع، فقد شملت السيرة العطرة كل الطرائق التربوية من الحوار وضرب الأمثال والقدوة والممارسة في العمل والعبرة والموعظة الحسنة والترغيب والترهيب الى آخر تلك الأساليب التي أخذ الـمُنظِّرون اليوم فيها بالشرح والتأصيل.
وهذه الأساليب التي ذكرناها سابقا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم هي التي خرجت للبشرية رجالا كانوا خير الرجال في خير القرون مع خير البشر (صلى الله عليه وسلم).
من إعداد:
خبير تربوي-هولندا-