المداخلة الهولندية على السلفية والآبائية – د. محمد السعيدي
ليس من عادتي الإغراق في الردود ، وغالباً ما أكتفي منها بما يُوضِح وجهة النظر ثم أنصرف إلى ما هو أنفع لي وللقارئ وهو التأصيل العلمي ؛ فالسجال الطويل في القضية الواحدة يفضي إلى الجدل ومراعاةِ حظ النفس ويَقِل نفعه وبركته ؛ على عكس التأصيل العلمي ، فهو يبني الكاتب والقارئ وتنتفي فيه شهوة العلو والمغالبة .
لكنني رأيت مقاليَ المنشور قبل أسابيع قلائل في صحيفة الوطن السعودية قد نشرته مشكورة صحيفة موند24 الصادرة في هولندا ، ورأيت بعده مقالاً في الرد عليه لأحد فضلاء الجالية المغربية هناك وهو الأستاذ محمد الصالحي رئيس اتحاد مساجد أمستردام ؛ فبدا لي أن الرد عليه لازم لحاجة المسلمين في أوربا إلى نَفَسٍ غيرِ النَّفَسِ الذي تحدث به الأخ الصالحي في رَدِّه عليَّ.
فالمسلمون هناك في أمس الحاجة إلى إبعادهم عما يجري في مشرق العالم العربي ومغربه من سجالات مذهبية ؛ ويجب جمعهم على الكلمة السواء التي بينهم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ؛ وأركان الإسلام ومصدرية الكتاب والسنة المطهرة وحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أثنى عليهم القرآن جملة وتفصيلا ، ورضي الله عنهم في كتابه ووعدهم الحسنى ، والدعاء لهم ، عملاً بقوله تعالى ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).
فالنظر إلى هذه المشتركات هو ما يوحد صفهم لتعزيز مكانتهم في البلاد التي اختاروها منزلاً، ويقيهم كيد من يريد بهم شراً .
ويعيش في أوربا الملايين من السلفيين الذين ضجروا من كثرة اتهامهم من الدوائر الأمنية والإعلامية الأوربية بالتطرف والإرهاب بالرغم من كل ما يبذلونه في جمعياتهم ومساجدهم من العمل الجاد على محاربة الفكر المتطرف بجهود لم أر مثلها لغيرهم من مسلمي أوربا ، من إقامة للندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية والبرامج الإعلامية ؛ ومع ذلك تظل الآلة الإعلامية الأوربية ترميهم بما هم منه برآء ؛ ولاشك أن أَلَمَهُم سيكون مضاعفاً حين يأتي اتهام منهجهم من أحد إخوانهم ، وهو يترأس اتحاد مساجدهم في مدينة من أكبر وأهم مدن أوروبا، وأكثرِها نشاطاً للجماعات اليمينية المتطرفة ،والتي لا تفرق بين سلفي وغيره في عداوتها ؛ فكيف ساغ لأخ لهم أن يخط بيراعه الحجج ضدهم عند خصمه وخصمهم !؟
وصدق القائل :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهندِ
كنتُ أنتظر من أخي الصالحي أصلحه الله أن يرفع مقالتي ويريها من ولَجَت في قلوبهم شبهاتُ التكفير والإرهاب من الشباب في أوروبا الذين امتلأت بأمثالهم من الأوربيين والمغاربيين معسكرات داعش والقاعدة ممن ولدوا في بيئات صوفية أو علمانية ،ولم يقرأوا يوما من الدهر لابن تيمية وابن عبدالوهاب ، بل لا يعرف كثير منهم لغتهما ؛ ومنهم من هو حديث عهدٍ بإسلام ؛ ويقول لهم : هذه هي السلفية ، وهذا ما يقوله علماء السلفية في مَنْبَتِها ؛ براءةٌ من التكفير والتطرف والحقد والبغضاء ؛ ويُحَاجُهم به ؛ لعل ذلك يكون سبباً لعودتهم وتبصرهم .
وسوف يجد له من فتاوى هيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية السعودية ما يدعم حجته ؛ وكذلك يلقى في نتائج المؤتمرات التي تعقدها رابطة العالم الإسلامي ووزارة الشؤون الإسلامية ، ومن عشرات الكتب التي ألفها السلفيون في السعودية ومصر والمغرب ما يدحض القول بأن الإرهاب من نتاج الفكر السلفية .
لكن ما ذا فعل الأخ الصالحي؟
الحقيقة أنني استفدت من مقال الأخ الصالحي فائدة جليلة ؛ وهي : صحة نظريتي في أن مئات المقالات التي تكتب عن السلفية تنطلق من تأثر بإعلام مغرض ، أو انطباعات محضة ،أو قراءة غير منهجية ؛ فلم يفعل الأخ الصالحي للأسف سوى أن اجْتَرَّ شبهات مكررة ، ولم يُكَلِّف نفسه حتى إعادة صياغتها ؛ بل نقلها مختصِراً من أحد خصوم السلفية ممن تم الرد عليه تأليفاً ومناضرة ؛وليس سلفياً ولا يقول عن نفسه ذلك ؛مع أن الصالحي أصلحه الله نسبه للسلفية ، وأنا أُجِلُّه عن تعمد التدليس على القارئ من أجل المغالبة.
فليس من القراءة المنهجية أن تأخذ علمك عن توجه أومذهب من خصومه، دون أن ترجع إلى تفنيد أقوال ذلك الخصم من قِبَل المختصين في
هذا المذهب ؛ وجُلُّ ما يعتمد عليه هؤلاء في نقد السلفية: أقوال من متشابه كلام الأئمة ينزعونها من سياقها التاريخي أو المعرفي ولا يردُّونها إلى محكم كلامهم ؛ ومعلوم أن المتشابه من كلام الله سبحانه وتعالى إذا لم يُرَد إلى المحكم أفضى إلى الفتنة والزيغ كما قال تعالى ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة)فكيف بكلام بشر لهم واقعهم المختلف كثيراً عن واقعنا حين ننزع كلامهم من سياقه ولا نفهمه في ظل ظروف تاريخية ومعهود معرفي يختلف كلياً عن ظروفنا ومعهودنا.
إننا لو اعتمدنا هذا المنهج من نزع كلام العلماء من سياقه المعرفي والتاريخي لاتهمنا كل علماء الإسلام بالتكفير والإرهاب ؛ أشاعرتهم وماتوريدييهم ؛ حنفيتهم ومالكيتهم وشافعيتهم ؛ فكل هؤلاء لو بحثت في تراثهم ونزعت كلامهم من سياقاته التاريخية والمعرفية ، لوجدت لهم من الكلام ما يمكننا التعسف معه ونسبة ما يحدث من تكفير وإرهاب إليه.
لكننا في دفاعنا عن المنهج السلفي نأخذ بسبيل المروءة والشفقة بالمسلمين ؛ فلا تأخذنا الحماسة في دفاعنا عن أنفسنا لنفتش تراث المذاهب ونخرج منها ما نشتهي وننزعه من سياقاته لنرفع تهمةَ التأصيل للتطرف والإرهاب والتكفير عنٌَا ونُلقيها عليهم ؛ ولو فعلنا لحصل لنا من النقولات الجَمَّ الغفير ؛ لكننا حين ابتليت السلفية بهذه الدعاية المغرضة من قِبَل أعداء الإسلام نرى أنه ليس من المصلحة أن نجلب التهمة لكل طوائف المسلمين ؛ وهذا ولله الحمد من عظيم ما علمناه منهج السلف من الحكمة في جلب المصالح ودرء المفاسد .
فهل من نموذج لهذه الأقوال التكفيرية ؟
نعم : سأذكر شيئاً من ذلك لا على قصد التشهير وإنما بغرض الإثبات ؛ مع قولي بعذر هؤلاء العلماء فيما قالوا وعدم التشنيع عليهم .
يقول إمام الأشعرية وشيخ الشافعية في وقته الشيخ أبو إسحق الشيرازي ، يُكَفِرُ كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما عدا الأشاعرة “فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق المنتسبين إلى الإمام أبي الحسن الاشعري رضي الله عنه فهو كافر . ومن نسب إليهم غير ذلك فقد كفرهم فيكون كافرا بتكفيره لهم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما كفر رجل رجلا إلا باء به أحدهما )” شرح اللمع ،١/ ١١١فانظر إليه لا يكتفي بتكفير غير الأشاعرة ؛ بل يكفر من لم يكفر من كفرهم .
وهذا ابن نجيم الحنفي يقول :ويكفر بإثبات المكان لله تعالي ، فإن قال : الله في السماء ، فإن أراد حكاية ماجاء في الأخبار لا يكفر ، وإن أراد المكان كفر ” البحر الرئق ٥/ ١٢٩ ، وما أعجب هذا القول ، من يقول إن الأخبار التي تثبت أن الله في السماء خالية من المعنى فهو مؤمن ، ومن يثبت المعنى لكلام الله ورسوله فهو كافر !
(ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير)
قال عبد الله الغماري المغربي في هامش كتابه الرد على الألباني: ” وقد ذكر أبو عبد الله علاء الدين البخاري العجمي الحنفي المتوفى سنة ٨٤١: أن من أطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام، فهو بهذا الإطلاق كافر ، انظر الضوء اللامع ٩/ ٢٩٢ ”
وحكم بعض فقهاء المالكية على الخطيب الذي أتاه من يُسْلم ، فقال له :حتى أفرغ من خطبتي ؛ فحكموا عليه بالكفر ، لاستلزام هذا رضاه بالكفر هذه المدة [ الدرر في شرح المختصر ٢٣٤٢/٥] . وهذا في الحقيقة يؤدي إلى تكفير كثير من العاملين في أكثر المراكز الإسلامية التي تعطي للراغبين في الإسلام مواعيد محددة !
وقال النووي :”ولو قيل له : قلم أظفارك ، فإنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا أفعل وإن كان سنة ، كفر .”روضة الطالبين،٩/ ٦٤ .
والنقول عن العلماء في سائر المذاهب كثيرة ، ولو سرنا على النهج غير العلمي الذي سار عليه الأخ الصالحي لوصلنا إلى نتيجة أن علماء الإسلام قاطبة من أشاعرة وماتوريدية، حنفية كانوا أم شافعية أم مالكية هم سبب ما تُبتلى به الأمة من إرهاب ؛ بل النقول عن الأئمة من مختلف المذاهب أكثر وأشهر مما هي عند السلفيين .
ولدي نقول عن علماء من أئمة المالكية في المغرب العربي يكفرون بها قبائل بعينها ؛ ويرون بطلان أنكحتهم وأنها من السفّاح ؛ وقد أضربت عن نقلها كما أضربت عن تتبع الأقوال التكفيرية في سائر المذاهب ، لأنني لا أحاكم أهل العلم على أقوال وفتاوى لها سياقها التاريخي والاجتماعي والمعرفي الذي بختلف كثيراً عما نحن فيه اليوم ؛ وإنما أحاكم المذاهب والتوجهات على رؤيتها الحاضرة لأنها في الحقيقة هي التطبيق العملي لرؤيتها النظرية .
والواقع الحاضر للمدرسة السلفية : أنها أكثر المدارس الإسلامية سعياً في جمع كلمة المسلمين ؛ والشواهد على ذلك علمائياً وسياسياً أظهر من عين الشمس .
أخطاء في القياس
ومن الشواهد على القراءة غير المنهجية لدى الأخ الصالحي نقله أخطاء ذلك الخصم الناقد للسلفية دون تمحيص ومثال ذلك قوله :”إن الحنابلة، و منهم احمد بن حنبل رضي الله عنه، قبل ابن تيمية كانوا يرون أمورا في العقيدة بأنها لاباس بها. بينما ابن تيمية و بالخصوص الوهابية يعتبرونها شركا محضا”.
ثم يضرب لدعواه مثالين هو أبعد ما يكون فيهما عن الصواب ؛ وسبب الخطل عنده : أنه نقل عن أحد خصوم السلفية دون أن يكلف نفسه دراسة الشبهة قبل نقلها .
فالمثال الأول : “التبرك بالقبور و التمسح بها يجعله الشيخ شركا أكبر، لكنه عند أحمد بن حنبل إمام المذهب ( لا بأس به)! ففي كتاب العلل و معرفة الرجال (٢/٤٩٢) لعبد الله بن احمد بن حنبل قال سالته – يقصد أباه – عن الرجل يمس منبر النبي (ص)[هكذا يرمز الأخ الصالحي للصلاة على النبي بحرف ص والذي يظهر لي أن هذا لا يليق بهﷺ]و يتبرك بمسه و يقبله و يفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله عز و جل؟ فقال (أحمد بن حنبل ): لا بأس بذلك!”
وألواب : أن التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ليس من الشرك لا الأكبر ولا الأصغر ؛ فقوله “إنه عند الشيخ شرك أكبر”كذَّب على الإمام محمد بن عبدالوهاب ، كان الأجدر بالأخ الصالحي أن لا ينقله ؛ وكما جاء في الحديث( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )ومجرد التبرك بآثار النبيﷺلعلماء المدرسة السلفية فيه تفصيل ليس هنا محله لكنهم لا يقولون إنه شرك .
والتبرك بقبره ﷺ لم يأخذ السلفيون فيه بالقول المنسوب للإمام أحمد لأنه مخالف لأصول أحمد رحمه الله في الاتباع ؛ ونص عدد منهم ؛ ومنهم الشيخ محمد بن عثيمين على أن الإمام أخطأ في ذلك إن صح نسبة القول إليه وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله ﷺ .
وأخذوا في التبرك بالقبر بمذهب مالك رحمه الله فإنه كان يحرم مسه والالتصاق به ؛ بل ينهى عن زيارته إلا لقادم من سفر أو عازم على سفر ؛ أما المقيمون وأهل المدينة فينهاهم عن ذلك .
فهذا شاهد عظيم على انتفاء الآبائية عن السلفيين فهاهم يتركون قول إمامهم ولا يرون بأساً في تخطئته وينتقلون عنه إلى قول مالك لكونه موافقاً للأدلة ؛قال القاضي عياض رحمه الله :”وقال مالك في المبسوط وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر وإنما ذلك للغرباء وقال فيه أيضا لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلى عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر فقيل له إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة أو المرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعو ساعة فقال لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك: ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده، قال ابن القاسم ورأيت أهل المدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتوا القبر فسلموا، قال وذلك رأى قال الباجى ففرق بين أهل المدينة والغرباء لأن الغرباء قصدوا لذلك وأهل المدينة مقيمون بها لم يقصدوها من أجل القبر والتسليم، وقال صلى الله عليه وسلم، اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وقال (لا تجعلوا قبري عيدا) ومن كتاب أحمد بن سعيد الهندي فيمن وقف بالقبر: لا يلصق به ولا يمسه ولا يقف عنده طويلا، وفى العتبية يبدأ بالركوع قبل السلام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وأحب مواضع التنفل”الشفا ٢/ ٨٨.
المثال الثاني الذي ضربه الأخ الصالحي تخالطه فيه الخطل والخلل بسبب تعمده النقل دون فحص وتمحيص قوله:”إبراهيم الحربي الحنبلي ـ و هو من كبار تلاميذ أحمد بن حنبل – قال: قبر معروف الكرخي الترياق المجرب) ( انظر سير أعلام النبلاء للذهبي ٩/٣٤٣ ) , أقره الذهبي بل زاد الذهبي شارحا هذا بقوله:( يريد إجابة دعوة المضطر عنده – اي عند القبر – لان البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء كما أن الدعاء في السحر مرجو، و دبر المكتوبات، و في المساجد…)”
والأخ الصالحي بهذا النقل يسقط سقطة عظيمة لا تليق بمثلة ؛ وكان حرياً به أن يبتعد عن تقليد الأصاغر ويرجع إلى علمه وملكته بدلاً من إقرار مقولات ليس لها خطان ولا زمام ؛ وهنا أرد عليه وعلى من نقل عنه قائلاً :
هب أن النقل عن إبراهيم الحربي كان صحيحا وأن السلفية خالفوه ؛ فهذا دليل على أن السلفية يؤثرون الحق على الخلق وما خالف الدليل من الأقوال فهم يخالفونه كائنا من كان صاحبه ؛ وتقدمت مخالفتهم لأحمد على جلالة قدره وتقديم مالك عليه حين كان الدليل معه ؛ فكيف بتلميذه إبراهيم الحربي ؛ وبهذا يساهم الأخ الصالحي بإسقاط دعوى الآبائية عن السلفيين من حيث أراد وصمهم بها .
ثم هذا النقل لا يصح عن إبراهيم الحربي لأنه ليس في أحد من كتبه وإنما نقله عنه أبو عبدالرحمن السلمي وقد قال فيه محمد بن يوسف القطان “كان السلمي غير ثقة وكان يضع للصوفية الأحاديث “الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ص ص ٣/ ٥٢ .
بل إن الذهبي نفسه وهو الذي احتج به الصالحي يضعفه قال في المغني في الضعفاء٢/ ٥٧١ “صاحب المصنفات تكلم فيه وما هو بالحجة …. وله في حقائق التفسير تحريف كثير “
ثم يستمر الصالحي في النقل دون روية وعلم عن أحدهم قوله ساخرا “وعلى هذا لو كان احمد بن حنبل و إبراهيم الحربي و الذهبي معاصرين للشيخ محمد لكانوا بأقوالهم السابقة كفارا كفرا أكبر ينقل عن الملة”
فهذا كلام بعيد عن الفهم العلمي لأقوال السلف وأتباعهم ؛ لأن دعاء الله تعالى في البقاع التي يظنها الناس مباركة ليس شركاً ؛ ولم يقل ذلك محمد بن عبد الوهاب ولا من قبله ؛ وإنما يرون أن بركة البقاع لا تثبت إلا بنص ؛ فلا تكون البقعة مباركة بدفن فلان من الناس فيها ؛ وإنما بنص شرعي ؛ ومن ادعى بركة بقعة من البقاع وزعم أن لدعاء الله فيها ميزة ليست لغيرها دون دليل من متاب أو سنة فعله بدعة محرمة وإن أقرها الذهبي رحمه الله ؛ فالحجة في النصوص وليست برأي أحد من الناس .
هل عقيدة الصحابة واحدة؟!
إذا أُطلِقت كلمة السلف فأول من يدخل فيها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وحتى يرد الأخ الصالحي على كلامي نقل عن بعض المعاصرين أن السلف ليس لهم قول واحد في مسائل العقيدة ؛ وهنا لا يسعني إلا أن أقول :إنا لله وإنا إليه راجعون.
الصحابة عليهم رضوان الله تعالى هم نقلة الدين إلينا ، فالقول بأنهم ليس لهم قول واحد في العقيدة يعني أحد أمرين: اما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغهم وهذا ممتنع لانه خلاف كلام الله سبحانه وتعالى ؛ وأما أنهم لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم وهذا ممتنع أيضا لانه مخالف بمقتضى عدالتهم وأمانتهم المنصوص عليها في القرآن.
والصحيح أن مسائل التوحيد والإيمان وأسماء الله وصفاته والقضاء والقدر لم يختلف فيها الصحابة رضي الله عنهم ولا علماء تابعيهم ؛ وإنما جاء الخلاف فيها في آخر أيامهم من غير علماء تابعيهم ؛ والذين يدعون أن الصحابة اختلفوا في مسائل العقائد لم يقولوا ذلك إلا بسبب عجزهم عن الاستدلال لما أحدثوه من شركيات بأقوال الصحابة وأفعالهم ؛ فلجأوا إلى التشكيك في عقائدهم .
فلِمَ يأتِ أحد بشاهد صحيح أنهم كانوا يستغيثون بالقبور ؛ أو يستغيثون بالأموات أو يشدون الرحال إلى قبور الصالحين أو يذبحون عند القبور أو أنهم يعبدون الله بغير متسرع فيرقصون ويطرقون ويقولون هذه عبادة .
فإذا قلنا للناس كونوا مثل الصحابة قالوا لنا: أنتم وهابيون تكفيريون تفجيريون .
وأخيراً أشكر الأخ الصالحي على مداخلته وأسأل الله لي وله أن يُرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
وقد تركت العديد من المغالطات التي أوردها الأخ الصالحي لدلالة ما مضى عليها وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د. محمد السعيدي – السعودية