الزعيم علال الفاسي… المقاوم المفكر الذي خط أول دستور مغربي بعد الاستقلال

يعد الزعيم علال الفاسي أحد أبرز رجالات المغرب الأفذاذ الذين لم يكررهم التاريخ،  كما يعتبر أحد ركائز الفكر الإسلامي في المغرب، وبطل النضال الذي جاهد بالغالي والنفيس في نصرة الحق والدفاع عن حوزة الوطن الشريف ضد الاستعمار الغاشم.

ولد علال الفاسي بفاس في أواخر شوال عام1326هـ الموافق لسنة 1910، وسط عائلة عربية عريقة نزحت من موطنها بديار الأندلس إلى المغرب الأقصى فرارا بدينها وعقيدتها من محاكم التفتيش الإسبانية، حفظ القرآن الكريم مبكرا، ثم نقله والده للمدرسة العربية الحرة بفاس القديمة، ثم التحق بجامع القرويين التي بنتها ابنة عمه فاطمة الفاسية الفهرية، ودرس على عدد من العلماء الأكابر الذين أثثوا مشهد الحياة العلمية المغربية في عصره، في جامع القرويين علوما متعددة كان منهم شيخ الإسلام محمد العربي العلوي، والشيخ العلامة المحدث أبو شعيب الدكالي الذي قرأ عليه صحيح البخاري، وقد حصل على الشهادة العالمية عام 1932، ولم يتجاوز عمره الثانية والعشرين، فكان مفخرة أسرته، بل مفخرة القرويين والمغرب، علما ونبوغا وذكاء وعبقرية ووطنية صادقة ومقاومة مستميتة.

بعد تخرجه وحصوله على إجازة من والده، ومن عمه الفقيه عبد الله الفاسي، ومن شيخيه العلامتين أبي شعيب الدكالي ومحمد بن جعفر الكتاني، صار يدرّس بجامع القرويين حول التاريخ الإسلامي، كما عمل أستاذا محاضرا بكلية الشريعة التابعة لجامعة القرويين بفاس، وعمل محاضرا بكليتي الحقوق والآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط، ومحاضرا بدار الحديث الحسنية بالرباط.

انخرط علال الفاسي في العمل الوطني المغربي ومقاومة المحتل الفرنسي، وبدأت مسيرته  في سبيل تحرر المغرب الذي يرزح تحت ويلات الاستعمار، فساهم في تأسيس جمعية أطلق عليها “جمعية القرويين لمقاومة المحتلين” بمعية زملائه الطلبة في القرويين، لدعم المجاهد عبد الكريم الخطابي، في جهاده ضد المستعمر، كما عرف عنه رفضه المشدد للظهير البربري، فألقى عدة خطب في التحذير منه، وبسبب فصاحته وخطابته المؤثرة كانت تستجيب له الجماهير فتخرج المظاهرات الحاشدة تندد بهذه السياسة الخبيثة، ولذلك اعتقلته السلطات الفرنسية وهو طالب بالعالمية، ونفته إلى مدينة تازة، ثم عاد بعد الإفراج عنه إلى فاس سنة (1931م) فمنعته من التدريس، فانصرف إلى جامع القرويين يلقي الدروس العلمية الليلية عن تاريخ الإسلام.

حاولت الحماية الفرنسية اعتقاله مجددا خلال 1933، فسافر إلى إسبانيا وسويسرا، واتصل بالأمير شكيب أرسلان وإخوانه المناضلين العرب والمسلمين، ثم عاد إلى المغرب عام (1934م)، وأسس أول نقابة للعمال سنة 1936، ثم أنشأ  بعدها كتلة العمل الوطني سنة (1937م) فأبعدته السلطات إلى الغابون منفيا إلى سنة 1941، ثم إلى الكونغو حتى سنة 1946، حبيسا في زنزانة مظلمة…

بعد إطلاق سراحه، أنشأ مع رفاقه حزب الاستقلال ثم سافر متنقلا بين البلاد العربية والأوروبية يدعو لاستقلال المغرب عن فرنسا، وقد استطاع في هذه الجولات أن يتصل بكثير من القادة والزعماء  في العالم العربي والإسلامي.

عاد إلى المغرب سنة 1949 فمنعه الفرنسيون من الدخول، فأقام بمدينة طنجة، وكانت يومئذ منطقة دولية، وخلال نفي الملك الراحل محمد الخامس سنة 1953، دعا علال الفاسي إلى ثورة الشعب ضد فرنسا وكان قائد الثورة حتى عودة الملك، واستقرار أمر البلاد.

علال الفاسي أو الزعيم السياسي والمقاوم الصارم، الذي كان مبرزا على أقرانه، اجتمعت فيه شخصية العالم الإسلامي المجدد، والمناضل السياسي الفذ، غير أن الدور السياسي الكبير لعلال الفاسي في استقلال المغرب طغى على دوره الإسلامي الإصلاحي، وغابت صورة علال السلفي العالِم المجدد عن أذهان الكثيرين من السياسيين بل حتى عند الإسلاميين، كما غابت صورة علال السياسي، مؤسس الأحزاب، ومسعّر حرب الاستقلال، ورئيس لجنة كتابة الدستور، والوزير والمعارض عن أذهان كثير من المغاربة الذين رأوا فيه مناضلا قاوم الاستعمار.

يمتلك الفاسي شخصية العالم المجدد، وشخصية المفكر الناقد المبدع، وشخصية المجاهد والمقاوم البطل، وشخصية السياسي الذكي، الذي ساهم في إرساء قواعد حكم المغرب الحديث بعد الاستقلال، فقليل من يعرف أن الاستاذ علال الفاسي هو من كان  صاحب فكرة إنشاء وزارة للشؤون الإسلامية بالمغرب، كما كان له فضل حث الملك الحسن الثاني سنة 1964م على إنشاء دار الحديث الحسنية.

علميا، شغل علال الفاسي منصب  عضو ومقرر عام في لجنة مدونة الفقه الإسلامي التي شُكلت في فجر الاستقلال المغربي، كما أن له باعا طويلا وقدما راسخة في الفقه الإسلامي وخاصة الفقه المالكي والفقه المقارن، وله اجتهادات فقهية يحتج بها علماء المغرب والجزائر وتونس، كما انتخب عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة.

له عدد من المؤلفات منها: عقيدة وجهاد، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، دفاع عن الشريعة، محاضرتان عن مهمة علماء الإسلام، الإسلام وتحديات العصر، دفاعا عن الأصالة، شرح مدونة الأحوال الشخصية، تاريخ التشريع الإسلامي، المدخل للفقه الإسلامي، المدخل لعلوم القرآن والتفسير، بديل البديل، نضالية الإمام مالك، النقد الذاتي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، وغيرها؛ وله كتب باللغة الفرنسية، كما أصدر مجلة “البينة”، وجريدة “صحراء المغرب”، و”الحسنى”.

تميز علال الفاسي بموسوعية مدهشة وعبقرية فذّة، وساعده على ذلك ذكاؤه الفطري ومطالعاته الواسعة وتنقله بين البلاد بسبب النفي أو الهروب أو السفر، وقد ظهر ذلك في كتبه المتنوعة ولكن كتابه “النقد الذاتي” يعد أكبر دليل على موسوعية علال وعبقريته، فهو ناقش في هذا الكتاب النظريات المعروفة في عصره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا ونقدها وقدم البديل عنها للمجتمع المغربي، وذلك لتكون النظرية التي يسير عليها المغرب بعد استقلاله، وهذا يدل على عبقريته وتخطيطه المبكر لحاجة المغرب للنهوض والتقدم.

توفي علال الفاسي يوم الاثنين 20 من ربيع الثاني 1394هـ – 13 من مايو 1974م، وهو يجاهد لقضايا وطنه وأمته، حيث توفي في بوخارست عاصمة رومانيا، في زيارة لشرح وبيان قضية المغرب والصحراء المغربية، وقضية الشعب الفلسطيني في مواجهة الصهيونية دفاعا عن دينه وأرضه…، رحم الله العلامة المجاهد علال الفاسي رحمة واسعة.

مكتب التحرير

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *