الرد على رد الشيخ محمد السعيدي حول مقال السلفية و الآبائية – ذ. محمد صالحي
قرأت مقالا للعالم السعودي الجليل الدكتور محمد السعيدي على موقعه و على موقع موند24 يرد فيه على مقال نشره الاستاذ محمد أزرقان بعنوان ( السلفية و ألآبائية) على نفس الموقع. في رده على هذا المقال يحاول الدكتور السعيدي أن يبرهن على أن كلام الاستاذ أزقان لا يقوم له ساق و بأنه عاطفي و غير موضوعي، بل جعله كغيره من القراء ضحية للدعاية المغرضة التي تتعرض لها السلفية الوهابية حتى لا تصل إلى عقول الناس و تشرح لهم فكرها و ما تقوم عليه من قيم و مبادئ جميلة.
أريد قبل الشروع في كتابة هذا الرد أن أنبه القارئ إلى أن الهدف الاساسي هو فتح باب الحوار حول هذا الموضوع و ليس القدح أو المدح. كما أنبه القارئ إلى أن النقد في هذا المقال موجه إلى السلفيين الوهابيين الذين يدافعون على شيوخهم بشكل أعمى و لا يقبلون النقد و لا مراجعة هذه المصادر و تقييمها. استعمال السلفية الوهابية هنا القصد منه الوصف و ليس القدح.
الكاتب يحاول في رده الدفاعي تفنيد الدعاوى و الافتراضات التي أوردها الاستاذ ازرقان في مقاله ، بالحجج التالية:
١- السلفية الوهابية فكر تجديدي و ليس أبائي ويستدل لهذا بالخلاف الفقهي بين شيوخ السلفية الوهابية.
٢- الحركات الاسلامية العنيفة و العلمانية هي مصدر أيديولوجية العنف التي تجتاح العالم الاسلامي و باقي مناطق العالم.
٣- السلفية الوهابية تعتمد منهج السلف في فهم مسائل العقيدة و هي في ذلك متفقة و موحدة.
في رده يحاول الكاتب أن يقلل بل ينكر أهمية ما ذكره الاستاذ أزقان عن طريق وصم الانتقادات بأنها انطباعية و استهلاكية يرددها الجميع من أجل النيل من السلفية الوهابية التي جعلها في موقع المظلومية و الضحية و ليست موضع التهمة.
فهو في محاولته سيقدم الادلة للقارئ التي ستفند هذه الافكار الانطباعية المكررة . فهل كان الكاتب فعلا موفقا في الادلة التي جاء بها و استطاع بذلك أن يقنعنا بأن السلفية الوهابية بريئة من هذه التهم الباطلة؟ أم انه وقع نفسه في خطاب عاطفي بعيد عن الموضوعية و الدقة المنهجية؟ فهل الادلة التي ساقها الكاتب مقنعة أم هي من باب ذر الرماد في العيون و الوقوع في الابائية التي حاول أن ينفيها عن السلفية الوهابية؟
الدليل الاول الذي اورده للإجابة على الفرضية الاولى و المتعلقة بالأبائية يقدم الكاتب مجموعة من الادلة التي يحاول أن يقنع بها القارئ على أن السلفية نشات أول ما نشأت من أجل محاربة التقليد و الدعوة إلى الاجتهاد. وهذا الكلام من الناحية النظرية صحيح لا يختلف عليه الباحثون و لا اعتقد أن السيد أزرقان يجهل ذلك. لكن المشكل يكمن في الادلة التي استخدمها الكاتب لدعم فكرته. فمشكلة السلفية الوهابية مع باقي الفرق الاسلامية لا يكمن في مجال الفقه اساسا. رغم أن السلفية الوهابية كانت تعدنا منذ البداية بانها ستقضي على الفقه المذهبي التقليدي الذي كان حسب زعمهم سبب تشتت المسلمين و تفرقهم. لكن هذا ليس موضوع بحثنا الان.
مشكل الابائية و تقليد الشيوخ الكبار يتوجه إلى مجال العقيدة ، وهذا هو المجال الذي أعطى الشرعية للحركة الوهابية السلفية وليس الفقه، إذ المعروف أن ابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله و غفر لهما كانا يعتبران انفسهما على مذهب أحمد بن حنبل، ولم يخرجا عنه ابدا إلا في إمور مخصوصة. لا كما سيفعل اتباعهما فيما بعد. و إن كان الخط العام للحركة الوهابية السلفية التمسك بالفقه الحنبلي و محاولة التغطية على هذه الأبائية بالقول بان مذهب احمد رضي الله عنه هو أقرب المذاهب إلى مذهب السلف !!
أعود فأقول إن التقليد الوهابي السلفي واضح في مجال العقيدة و التوحيد، وقد وصل الحد بالاتباع إلى اتهام كل المسلمين بالضلال و الابتداع و الشرك، هذه الجذور موجودة عند الشيخ أبن تيمية، و إن كانت غير صريحة أو تراجع عنها في أواخر حياته كما يذكر ذلك تلميذه الذهبي، لكن مع مجيئ الشيخ محمد ابن عبد الوهاب و تخالفه السياسي مع آل سعود ستصبح هذه القضية مسالة حياة و موت. وأصبح قضية إكفار المسلمين و اتهامهم بالشرك وأنهم أسوأ حالا من شرك الجاهلية من اكثر القضايا التي أسالت دماء المسلمين و زادت من تفرقهم و تشتتهم و عداوة بعضهم لبعض. و كل محاولة لنقد هذا التوجه وإعادة النظر في منطلقات و أفكار محمد بن عبد الوهاب يتم وصمها داخل السعودية بالضلال و البدع. وبعدما كانت أرض الحرمين لقرون موئل كل المذاهب الاسلامية العقدية و الفقهية أصبحت هذه الديار في ظل الايديولوجية الوهابية في وضع لا تحسد عليها من ناحية الحريات المذهبية الاسلامية، رغم الامكانيات الهائلة التي تتوفر عليها البلاد. و لولا التدخل السياسي الرسمي في ضبط التطرف الوهابي لكان الحال اسوأ مما هو عليه. وحتى أحيل القارئ على الحجج الدامغة على ما أدعيه هنا انصح القارئ بالرجوع إلى كتب و مقالات الكاتب السلفي السعودي المتخصص في نقد السلفية الوهابية. حسن فرحان المالكي
أما الدليل الثاني الذي جاء به الكاتب محاولا به أن يبرئ السلفية الوهابية من تورطها في داماء المسلمين و مسؤوليتهاالاخلاقية المباشرة على كثير من الاعتداءت الارهابية الحالية فهذا من باب سياسة النعامة كما يقال. و الادهى من ذلك أن الكاتب ينسب هذا الانحراف الى الاسلام السياسي أو إلى قوى علمانية (؟؟) و يقول بأن المتورطين في هذه الجرائم ليس فيهم أحد تخرج على يدي شيوخ السلفية الوهابية؟؟. باختصار أن كل ما يقع حولنا هو من صنع الاعداء لتشويه السلفية الوهابية الوديعة. فنحن نريد أن نذكر الشيخ بأن تمرد جهيمان العتيبي و من قبلها أعضاء حركة الاخوان كانوا كلهم تلامذة اوفياء لشيوخ الوهابية السلفية. و قراصنة طائرات ما يعرف ب 9/11 في نيويورك ، 15 من مجموع 19منهم يحملون جنسية سعودية. و مؤسس القاعدة و ممولها الاساسي سعودي تتلمذ على كبار شيوخ الوهابية، و الحركات التي تورطت في أعمال العنف كلها تتدعي أنها سلفية جهادية. لا صوفية و لا أشعرية و لا معتزلية، و لا حتى علمانية!! فإما أن المشكل يكمن في المبادئ التي قامت عليها السلفية الوهابية نفسها أم أن من يحمل لواء السلفية غير قادر على أن يوصل رسالته إلى اتباعه بشكل صحيح. و أنا شخصيا، أعتقد كما يرى كثير من المختصين في هذا الشأن من الاخوة السعوديين أن المشكل يكمن في الخطاب السلفي الوهابي ذاته، و أن الاصلاح يجب أن ينصب على إعادة النظر في المنطلقات المنهجية و الفكرية لرموز السلفية و عرضها على القرآن و السنة الصحيحة و فهم السلف من العلماء و من جاء بعدهم إلى أيام الناس هذه. أما الاكتفاء بتوجيه النقد إلى الشباب الطائش الذي لا يفهم و الاحتفاظ بمكمن الداء بعيدا عن العلاج فلن يغير من الواقع شيئا بل سيزيد الامر سوءا. يقول الشيخ حسن بن فرحان المالكي : ( من عجائب هذا الزمان، أن نجد( غلاة ينهون عن الغلو)! فيدافعون عن التكفير السلفي الوهابي ويبرئون الرموز من كل مبالغة في هذا الأمر الخطير، و يلقون بأسباب الغلو على المتشابه الذي مثله المودودي و سيد قطب رحمهما الله، و ينسون التكفير الصريح النابع من ثقافتنا السلفية الوهابية، ألا يخجل أولئك الذين يحاولون أن يركبوا الجملين جميعا! فيردون على أهل التكفير و يغلون في الدفاع عن أخطاء ابن تيمية و أئمة الدعوة في التكفير!. ) ص 22-23 من كتاب داعية و ليس نبيا، حسن بن فرحان المالكي)
نعم هذه ليست آخر تناقضات الغلاة، نعم أصبحنا نرى ( غلاة ينهون عن الغلو)! يردون على تيار الشباب التكفيري الذين بهم ضلوا، و من نهرهم استقوا، و في بحرهم أرسوا سفن الغلو و التطرف) نفس المصدر السابق ص 23
أما الدليل الثالث فيتصل بدعوى وحدة العقيدة السلفية؟
الدليل الثالث الذي حاول الشيخ أن يطمس به الواقع فهي دعواه أن السلفيين الوهابيين و إن اختلفوا في الفقه و هو ٫امر محمود في رأيه، بينما السلفية في خطها العام كانت و ما زالت ترى وتصر على فرض اجتهاد فقهي وحيد بدعوى اعتماد الصحيح فقط من السنة و أن تتخلص من المذاهب الفقهية ـ التي وصفها الشيخ محمد بن عبد الوهاب سامحه الله بأنها (عين الشرك) ـ و توحد الجميع تحت راية الكتاب و السنة. و يبدو أنهم اكتشفوا لاحقا أن الامر أعقد مما يظنون، بل أضافوا مذاهب جديدة إلى المذاهب الموجودة عوض أن يقضوا على الموجود منها. و نحن لا ندخل هنا في نقاش هذا الاختلاف الفقهي السلفي ومدى قبوله للرأي الاخر داخل المنظومة السلفية نفسها، بل نكتفي بكشف اللبس في قوله بأن السلفية على مستوى العقيدة متفقة و منسجمة مع الكتاب و السنة و لا تقبل المسوامة و الاختلاف في هذا المجال. و هذا هو جزهر المشكل الذي تعاني منه السلفية الوهابية و هنا كذلك تظهر شبهة الابائية بجلاء. فكل من كان له معرفة بتاريخ الفرق و أصول الدين يعلم أن ابن تيمية خالف علماء الحنابلة قبله و بعده في قضايا يعتبرونها من اساسيات العقيدة. بل بسببها اعتبر محمد بن عبد الوهاب معاصريه من العلماء و العامة مشريكين شركا أكبر و استباح هو و أتباعه دماء المسلمين. يقول حسن المالكي 🙁 فهذا ابن غنام يذكر في تاريخه أكثر من ٣٠٠ غزوة، كل تعبيراته تقول: وفي هذه السنة غزاالمسلمون الكفار…( وهذه الغزوات أنما هي من مسلمين لمسلمين في أوساط نجد و الحجاز و الاحساء…الخ) هامش كتاب داعية و ليس نبيا ( ص ١٣٣ )
من الاوهام التي يقوم عليها الفكر السلفي الوهابي الإدعاء بان السلف الصالح كانوا متفقين على عقيدة موحدة و ان هذه العقيدة تلقفها ابن تيمية و احياها بعد أن كادت تختفي و من بعده تلاميذه إلى ان جاء محمد بن عبد الوهاب فأحياها من تحت أنقاض الشرك. و الحقيقة أن هذه دعوى عريضة اثبت النقد التاريخي أنه ليس هناك استمرارية بالشكل الذي تروج له الدعوة الوهابية السلفية. و الدليل على ذلك أن الحنابلة، و منهم احمد بن حنبل رضي الله عنه، قبل ابن تيمية كانوا يرون أمورا في العقيدة بأنها( لاباس بها) بينما ابن تيمية و بالخصوص الوهابية يعتبرونها (شركا محضا)!!.
يقول حسن بن فرحان المالكي :(التبرك بالقبور و التمسح بها يجعله الشيخ ( شركا أكبر)، لكنه عند أحمد بن حنبل إمام المذهب ( لا بأس به)! ففي كتاب العلل و معرفة الرجال (٢/٤٩٢) لعبد الله بن احمد بن حنبل قال ( سالته – يقصد أباه – عن الرجل يمس منبر النبي (ص) و يتبرك بمسه و يقبله و يفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله عز و جل؟ فقال (أحمد بن حنبل ): لا بأس بذلك! ص ١٦٠
- إبراهيم الحربي الحنبلي ـ و هو من كبار تلاميذ أحمد بن حنبل – قال: قبر معروف الكرخي الترياق المجرب) ( انظر سير اعلام النبلاء ( انظر سير أعلام النبلاء للذهبي ٩/٣٤٣ ) , أقره الذهبي بل زاد الذهبي شارحا هذا بقوله:( يريد إجابة دعوة المضطر عنده – اي عند القبر – لان البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء كما أن الدعاء في السحر مرجو، و دبر المكتوبات، و في المساجد…)
قلت: وعلى هذا لو كان احمد بن حنبل و إبراهيم الحربي و الذهبي معاصرين للشيخ محمد لكانوا بأقوالهم السابقة كفارا كفرا أكبر ينقل عن الملة! ص ١٦٧
يؤكد هذا المعنى و الفهم الشيخ حسن السقاف في شرحه للعقيدة الطحاوية حيث يحذر القارئ من دعوى ان السلف كانت لهم عقيدة موحدة و أحرى ان يكون لهم فقه موحد!!. يقول :(…أنه ليس للسلف في جميع القضايا الشرعية مذهب يصح أن يقال فيه هذا مذهب السلف، اللهم إلا ما وقع الاجماع عليه و تحققنا من وقوعه لانه قد ادعى أناس الاجماع في أمور عقائدية عديدة ثم تبين لنا أنها من الخلافيات أو أن الاجماع منعقد بخلافها!! كمن ادعى أن هناك أجماعا على إثبات الحد أو أن كلام الحق سبحانه حروف و أصوات ثم تبين أن الاجماع منعقد بضد ما ادعى و زعم!!) ص٢١
و لذلك نقول لا يصح لاحد أن يتبنى عقيدة ثم يقول إن هذه العقيدة مذهب السلف لأن السلف ليس لهم مذهب مٌوحَّد بل المعنيين من السلف هم الائمة المجتهدون و لكل منهم رأيه و مذهبه في بعض مسائل الاعتقاد…. وكذا لكل منهم اجتهاده (ص ٢١) في الفقه و التشريع كما تجد ذلك بمئات الامثلة في مثل مصنفي الحافظين عبد الرزاق و ابن ابي شيبة، و كتب المذاهب الاربعة أكبر شاهد على ذلك حيث أن أئمتها من علماء السلف بلا شك و لا ريب، و كذلك أهل الحديث من السلف و الخلف أيضا ليس لهم مذهب موحد حتى في صناعتهم في التعديل و التجريح بل هم مختلفون في ذلك فهذا يوثق زيدا وذاك يضعفه ويَجْرحٌه وذلك يٌمَشِّيه و يعتبره وسطا وهكذا وكتب الجرح و التعديل طافحة بالامثلة المبرهنة على هذا) ص ٢١
لقد أوردت هذه الشهادات على طولها لاني ارى ان ذلك ضروري حتى يستفيق النائم و يشمر المسترخي على ساعد الجد لاعادة النظر فيما وصل الينا من الاباء و الاجداد بعيدا عن العواطف و المناهج الانتقائية.
أتمنى أن أكون بهذا قد وفقت إلى فتح باب النقاش حول السلفية الوهابية بشكل هادئ بعيد عن المزايدات و التشنجات اللفظية.
كتبه الفقير إلى رحمة الله ذ. محمد صالحي
1 Comment
هذا الشيخ السعيدي عندما تتصفح مقالاته، تجده يكتب ما لا تقتنع فيه، لا أدري هل هو يرى القاريء لا يفهم فيستغفله؟ أم أن هذا مبلغ علمه فيكون جاهلا ، وجهله هنا ، كيف صار وهو يحمل شهادة الدكتوراة؟ هناك فرق بين العالم والقاريء ، وأكثر شيوخ السلفية اليوم قراء ، وليسوا علماء ، فالعالم يفهم ويعي ما يكتبه وما يكتب لغيره ، وتحمسه للوهابية كغيره ، محل نقاش ، هم يحاربون التكفير ، بينما هم أكثر من يمارسه ، يحاربون الإرجاء ، وهم أكثر من يطبقه ، سهل يكفرون من يخالفهم ، لكنهم يلتمسون العذر لمن يحكمهم ، يرون الوقوف ضد أهل غزة من الردة في أوقات ، ثم ما أسرع ما يتنصلون عن هذا الحكم إذا طرأ هناك حدث جديد ، يتوسعون في باب الولاء والبراء ، ثم تجدهم أكثر من ينتهك محظورات هذا الباب ، يحاربون شرك القبور ، بينما في شرك الحاكم يتساقطون،، والله المستعان