الدعشنة والتطرف اليميني يغذي بعضهما البعض! – ذ. التوفيق فتحي
ذ. التوفيق فتحي
بلجيكا
منذ وقت ليس بالبعيد نشر نائب برلماني عن منطقة الحسيمة تقريرا حول لقاء له مع البرلماني عن حزب العمل الهولندي احمد مركوش، المح فيه الى اعجاب البرلماني بمصطفى بنحمزة وسعة اطلاعه…حينما أثّث خطابه بالحديث عن الفيلسوف اسپينوزا امامستضيفيه الهولنديين في امستردام ذات عشية. البرلماني الشاب ختم تدوينته يومها بأننا “نحتاج بنحمزات كثيرة في الغرب لنحمي ابناء الجالية المغربية” من ان يتحولوا كلهم الى محمد عبد السلام او عبد الحميد اباعود المتورطين مع شباب غيرهم في تفجيرات باريس في نوفمبر 2015. يومها كنت وددت كتابة مقال لأفصح عن عدم ايماني بفعالية وواقعية وصحة خلاصة البرلماني، فلم يسعفني الوقت لانشغالي في التزامات مهنية. لكني اعود اليوم الى الموضوع والمقصد مزدوج. السيد مصطفى بنحمزة مرجعية في تخصصه، ومتبحر في كثير من الاصول والفروع، ويبحث دوما عن الجديد ويحاول متابعته…هو رجل جد محترم. لكن كل هذا لا يجعل منه حلا لوضع تتشابك اشكالاته ويتقاطع فيه الاجتماعي والثقافي والديني لتجعله معقدا لدرجة لا يمكن للحلول البسيطة الا ان تعقده أكثر وأكثر. الدراسات الجادة في جامعات الغرب اليوم، وبعيدا عن الخطاب السياسي اليميني المتطرف وخطاب السلفية التبسيطي، ترصد أربع عوامل رئيسية لظاهرة تطرف هؤلاء الشباب:
1. عوامل السياق: المرتبطة اساسا بالوضع الجيوء سياسي الدولي (القضية الفلسطينية، مصير الربيع العربي، وضعيه اقليات مسلمة كالروهينغا، غوانتانمو…) وبالوضع المحلي في بلدان الغرب، بلدان الميلاد والنشأة والعيش. آخر الاحصائيات الاوربية سجلت ارتفاعا ملحوظا لأعمال العداء لكل ما هو اسلامي ولكل ما هو مرتبط به من قريب او بعيد. على سبيل المثال، ارتفع عدد الاعتداأت (المبلغ عنها) على المسلمين في فرنسا ب 281% في النصف الاول من 2015 مقارنة ب 2014، وارتفع ب 115% في بلجيكا… حظ مواطن من اصول اجنبية (مغربية وتركية اساسا) للحصول على منصب عمل قار هي اقل ب 30% من شركائهم في الوطن ‘المحليين” وبمؤهلات متكافئة. ونفس الامر يتكرر حين البحث عن مسكن لائق او مقعد في المدارس ذات السمعة والصيت الجيد لأبنائهم….عوامل تقوي شعور هؤلاء الشباب بالإقصاء والتهميش. فيصنفون أنفسهم لا اراديا كمواطنين من الدرجة الثانية مع كل ما يترتب عن ذلك من اثار نفسية.
2. عوامل اجتماعية ـ نفسية، مرتبطة ارتباطا عضويا بعوامل السياق، كالسلوك العدواني، الاكتئاب، الاحساس بالظلم والحرمان، وفي حالات غير قليلة بأمراض نفسية. هذه الدوافع تسمح بتسليط الضوء على ظاهرة ” إعادة تدوير” المنحرفين حدود الاجرام سابقا داخل المنظومة القتالية لداعش، فكثيرون ممن تورطوا في عمليات التفجير والقتل ذوو سوابق اجرامية تتراوح بين السرقة والاعتداء والتهديد بالسلاح والاتجار وتعاطي المخدرات…هذه العوامل الاجتماعية ـ النفسية هي نقطة التئام الاجرام والتطرف المسلح. هي الاسمنت الذي يبنى به جسر العبور من الاجرام نحو الدعشنة.
3. العوامل الجاذبة التي تمارس سحرا وأثرا مغناطيسيا جاذبا على هؤلاء الشباب. يتعلق الامر اساسا بالخطاب “السلفي” وكل “المنتوجات” الخطابية والرمزية التي تسوق حوله، كالاستقرار النفسي، والعاطفي والمادي… فيتحول الفرد الى عضو في بناء، يشعر انه يؤدي رسالة…وبالتالي انه مهم وفاعل ايجابي لبناء هوية جديدة على أنقاض ما تهدم او ما لم يعد يعمل بشكل صحيح وفق رؤيتهم الجديدة.
4. العوامل الموقدة للشرارة، شرارة الانتقال من اليأس والاحباط نحو “الفعل”…اي الهجرة الى “ارض الخلافة” او القتل هنا. الشرارة الموقدة عادة ما تكون حدثا عارضا يدفع شبابا يعيشون تحت ضغط ظلم الجيوستراتيجيا العالمية ويصطلون بنيران التهميش الاجتماعي والاقتصادي للانتقال الى “الفعل”…عادة يكون الحدث وفاة شخص يعزونه، او نهاية علاقة عاطفية، او طلاقا او تجربة سلبية مع الشرطة او القضاء (تجربة السجن مثلا) …
الاعتقاد ان ايفاد ألف بنحمزة الى الغرب وتصدير “الاسلام المغربي” هو الحل…او احد الحلول هي محاولة للرسم فوق الماء. مشكلة هؤلاء هي اليوم مشكلة غربية محضة لن يكون حلها سوى حلا غربيا يمر حتما عبر خانة تقديم اجابات سياسية واقتصادية لاجتثاث جذور العوامل الاربعة اعلاه. قوة هذا الغرب انه يستطيع ان يفكر ويخطط…ويجرب ثم يقيم لاستخلاص الايجابيات وتقويم السلبيات والمحاسبة ان اقتضى الامر ذلك. الشروط البنيوية للعيش المشترك قائمة وعلى رأسها حق الاختلاف وحفظ الحقوق الثقافية للأقليات العرقية والدينية واللغوية…وان سجلت تجاوزات هنا وهناك.