الحرب الثقافية تصل هولندا، 15 مارس موعد مع التاريخ! – ذ. ديرك يان ابينك
اذا اصدرت الطبقة المثقفة ارشادات انتخابية للناخبين فاعلم ان هناك خطا ما.
شخصيات انجليزية مشهورة توسلت الى جماهير الإنجليز البسطاء بالتصويت من اجل الحفاظ على عضوية بلادهم في الاتحاد الاوروبي. مشاهير هوليوود تحركوا بدون جدوى ضد انتخاب ترامب.
مشاهير هولنديون يفعلون الشيء نفسه فيدعون جموع الهولنديين للتحرك ضد اليمين المتطرف قبل فوات الاوان.
نشبت في كثير من الدول الغربية حرب ثقافية عناصرها : الهجرة ، أزمة الهوية و غياب الشعور بالانتماء للوطن.
هولندا هي المسرح القادم لهذه المعركة الثقافية.
لم يتلقى مرشح أمريكي دعما من النخبة المثقفة كهيلاري كلينتون ، لكن بالرغم من ذلك لم تستطع إقناع جموع الناخبين الديموقراطيين البسطاء. ففي دراسة قام بها معهد بروكلين تبين ان 55% من الأمريكيين يَرَوْن ان الهجرة تضر بنمط العيش الامريكي، بل ترتفع هذه النسبة الى 68% في أوساط الطبقة الشغيلة. الملفت للنظر في هذه الدراسة ان 57% من المواطنين البيض عبروا عن شعورهم بالميز العنصري كما يشعر به السود و ترتفع هذه النسبة الى68% في أوساط العمال.
استنتج معهد بروكلين من هذه الدراسة ان الثقافة كان يجب ان تصير محورا انتخابيا مهما، الامر الذي أغفلته كلينتون اثناء حملتها الانتخابية. فبدل الاصغاء لهموم الطبقة العاملة راحت تجرمها من خلال توصيفها بفئة اليائسين العنصريين الذين تملؤهم مشاعر الكراهية للاخر. بهذا الخطاب خسرت كلينتون معركتها الانتخابية.
يبدو ان الثقافة في هولندا ايضا ثارت محورا انتخابيا هاما. فالمحور الاقتصادي يستوعبه الناخبون بسهولة اذ يلمسون اثره ” في جيوبهم”: خلف فرص عمل، تقليص عجز الميزانية و قبل موعد الاقتراع تقدم وعود جميلة برفع القدرة الشرائية الى اخر ما هناك من وعود باشياء جميلة للمواطنين. و أثر ذلك على الناخبين يمكن رصده و توقعه. لكن الوضع يختلف حين يكون الموضوع ثقافيا، فهو يخص هوية الناس و مشاعرهم، احساسهم بالخوف من الهجرة من بلدان غير غربية . الهجرات الجماعية القادمة من خارج المنظومة الحضارية الغربية تثير صورا مفزعة لدى هذه الشريحة العريضة من الأوروبيين .
الهوية الخاصة نتاج ثقافي تراكم خلال قرون تنمحي بفعل الهجرة في لحظة!
الفئة القلقة هذه لم تعد تثق في نخبها السياسية و الثقافية لانها تخشى ان تساهم عن حسن نية في عملية التحول الثقافي الذي تشهده أوروبا حاليا. لتجنب الأسوأ صار كل من يقف في وجه هذا التيار المناهض للهجرة يرمى بانتهاج سياسة دفن الرأس في الرمال ليجد نفسه لاحقا خارج اللعبة.
القادة الاوربيون تسارعوا للتنديد بسياسة ترامب القاضية بمنع مواطني سبع دول اسلامية ، دول فاشلة صارت ملاذ الاٍرهاب ، من دخول أمريكا. 55% من الأمريكيين يؤيد هذا الإجراء.
هل يعرف القادة الأوروبيون شعوبهم؟
نشر معهد House Chathams نتائج استقصاء للراي اجري حديثا حول موضوع الهجرة: 55% من الأوروبيين تؤيد وقف الهجرة من البلدان الاسلامية. في طليعة المؤيدين : هنغاريا ، بولونيا، النمسا، فرنسا و بلجيكا. التقرير يفيد بكل تاكيد بان الرغبة في إيقاف الهجرة من البلدان الاسلامية ليست محدودة في إطار ناخبي ترامب.
معهد Pew اجرى دراسة حول القيم الأوروربية في كل من هنغاريا ، بولونيا إيطاليا و اليونان :60 % ينظرون الى المسلمين نظرة سلبية. 58% من الأوروبيين يَرَوْن ان المسلمين لا يندمجون بل ينعزلون. في هولندا 53% يشاطرون هذه النظرة.
هناك تذمر من التعدد الثقافي : في اليونان 63%، في إيطاليا 53%، في هولندا 36% لترتفع هذه النسبة الى 43 % في أوساط الطبقة ذات المستوى التعليمي الأدنى. 83% من الهولنديين يولون أهمية كبيرة لتقاسم العادات الثقافية. من هذه الدراسة يتضح جليا ان الانفجار الثقافي في أوروبا اكبر منه في أمريكا .
العامل الثقافي يقسم المشهد السياسي و الاجتماعي. خير مثل على ذلك المقترح القانوني القاضي بنزع الجنسية الهولندية من الجهاديين الذي تقدم به الحزب الاصولي المسيحي للبرلمان. ساند المقترح كل من الحزب اللبرالي و الحزب من اجل الحرية اليميني المتطرف و النداء المسيحي و حزب الاشخاص مافوق الخمسين. الاحزاب اليسارية عارضت المقترح. الذين ايدوا فعلوا ذلك بدواع أمنية ودافعية ومن عارضوا رأوْا في المقترح اهانة للمسلمين.
انتخابات 2017 تشبه الى حد ما انتخابات 2002، اذ كانت هولندا قد أعلنت من قبل The Economist كدولة نموذجية في المجال الاقتصادي فظنت النخبة السياسية ان الاقتصاد هو المحور الذي يجب ان ترتكز عليه الحملات الانتخابية الا ان الجميع تفاجأ بسيطرة موضوع الثقافة، الهجرة و الاندماج على النقاش السياسي الى حد بعيد.
الفكرة ان مقتل Pim Fortuin -(اغتيل قبل الانتخابات بأيام و كان اول زعيم سياسي يعلن حربا شعواء على الاسلام في هولندا )- كانت سبب تحول النقاش الانتخابي الى موضوع الثقافة و الاندماج اتضح انها كانت وهما.
معسكرالهوية الثقافية وحش متعدد الرؤوس وهذا مكمن خطره. المؤسسات الديموقراطية على نار الاختبار اليوم ؛ ان لم تستعد زمام قيادة المسار فقدت دورها و مبرر وجودها. البرلمان يعرف استقطابا ، الحكومة ركدت، القضاء تسيس و الاعلام اعتمد التهييج و الإثارة . انتخابات 15 مارس القادم ستدورعلى قضايا اهم من السكر و الزيت. ان 15 مارس موعد مع التاريخ !
المقال نشر في جريدة د فولكس كرانت الهولندية
1 Comment
المشهد الاسلامي داخل هولندة لا يمثل الاسلام الحقيقي الذي يخشاه الهولنديون او غيرهم من شعوب أوروبا ؛ الحقيقة ان التصرف الذي شاب الاسلام من خلال بعض تصرفات المتجنسين داخل التراب الاوروبي هي ليست بالإسلام في شيء بل هي طقوس و اهواء تمخضت عن فهم سطحي للإسلام حتى بات الأوروبيون يعتقدون ان الاسلام ارهابي و انه يميز بين الشعوب لكن الاكيد و من خلال فهم معمق و رصين بؤكد ان الاسلام دين كوني لا يقتصر على شخص او فئة معينة بل هو دين الله ربما بات يحسن فهمه أناس غير أولائك الذين يدعون ملكية الاسلام .