اطمئن أيها المريض … ولا تحزن – ذ. عبدالقادر الصالحي

إلى كل مريض وإلى كل مُبتلًى، أسألُ الله لك العافيةَ، وأن يجعل ما نزل بك كفارةً لك، وأن يَشفيك الله شفاءً عاجلًا، لا يغادر سقمًا.

أيها المريض!! اطمئن ولا تحزن، واعلم أنك لم تأت إلى هذه الدنيا لتخلد فيها أو تمكث فيها أبد الآبدين، وإنما خلقت ليمتحنك ربك عز وجل ويختبر إيمانك وصبرك ويقينك بالله تعالى فلا تيأس واطمئن وأبشر بالبشرى إن صبرت واحتسبت الأجر عند الله، يقول -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155). أي وبشر الصابرين بكل خير، لأنه إذا حذف المتعلَّق دل على العموم أي بكل خير.

إذن لا بد من الصبر على الاقراح والآلام، لأنه هكذا طبيعة الحياة -أيها المريض-، هذه حال الدنيا، طبعت على الآلام والأكدار والأحزان وأنت تريدها صفوا من الاقراح والأكدار. فأنت إن كنت منعما فأنت مبتلى وإن كنت مصابا باي نوع من أنواع البلاء فأنت مبتلى.

*لقي إبراهيم بن ادهم رجلا مهموما حزينا، قال له إبراهيم: اسألك عن ثلاث وتجيبني؟

قال: نعم…… قال: هل يقع في كون الله ما لم يقدره الله؟

قال: لا….. قال له: هل ينقصك رزق قسمه الله لك؟

قال : لا….. قال له: هل يَقِلُّ اجلُك الذي حدده لك الله؟

قال: لا…. قال له: فعلى ما الحزن والهم إذن؟؟؟؟!!

 

لهذا من العجائب أن يظن ظان  أن دنياه ستصفو له ستسلم له قيادها أبد الدهر، إن سرور الدنيا أحلام نومٍ، أو ظل زائل. فهي كما تُضحك تُبكي، وكما تسر تسوء. ولإن مَتَّعَتْ قليلا لطالما منعتْ طويلا، وما ملأت بيتا سرورا إلا خبأت له يوما شرورا.

إذن ما سلاحك أيها المريض. يا من ابتليت بالمرض، بالهم، بفقد حبيب أو قريب، بفقد المال …ما سلاحك؟؟ سلاحك وقوتك وراحتك في قوله تعالى:

 { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون }

 { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها }

اِصبِر لِكُلِّ مُصيبَةٍ وَتَجَلَّدِ  ***    وَاِعلَم بِأَنَّ المَرءَ غَيرُ مُخَلَّدِ

أَوَما تَرى أَنَّ المَصائِبَ جَمَّةٌ  *** وَتَرى المَنِيَّةَ لِلعِبادِ بِمَرصَدِ

مَن لَم يُصِب مِمَّن تَرى بِمُصيبَةٍ** هَذا سَبيلٌ لَستَ فيهِ بِأَوحَدِ

وَإِذا ذَكَرتَ مُحَمَّداً وَمَصابَهُ     **  فَاِذكُر مُصابَكَ بِالنَبِيِّ مُحَمَّدِ

جاء في بعض الأخبار أن ذا القرنين لما رجع من مشارق الارض ومغاربها وبلغ أرض بابل مرذا مرضا شديدا، فلما أشفق على نفسه من الموت وخاف على أمه أن تجزع عليه، كتب لها رسالة يقول فيها بعد كلام طويل:يا أماه اصنعي طعاما واجمعي من قَدِرت عليه من الناس، شريطة أن لا يأكل من طعامك من أصيب بمصيبة.

فلما وصل كتابه إليها نفذت الوصية، فصنعت طعاما وجمعت عليه الناس وقالت لهم: أن لا يأكل من هذا الطعام من أصيب بمصيبة، فلم يتقدم حينها أحد ولم يأكل أحد من هذا الطعام شيئا. فعلمت الأم مراد ذي القرنين ومقصده من الرسالة، فقالت: من يُبَلِّغك عني أنك وعظتني فاتعظت وعزيتني فتعزيت فعليك السلام مني حيا وميتا.

لهذا اطمئن -أيها المريض- ولا تحزن، وأنا أعلَم أنك تتألَّم لهذا المرض أو الابتلاء المُعيَّن، لكن ليَكُنْ قلبُك بالله أقوى، ولتكُن ثقتُك في الله هي سلاحك وقوتك لمجابهة هذا الألم مهما اشتد عليك، عافاك الله!

هل تَظُنُّ أن الله يَخفى عليه حالُك وألَمُك ودمعتُك، أبدًا لا تَخفى عليه خافيةٌ، هو علامُ الغيوب، لكنَّه يَمتحن صبرَك (قال بعضهم: “لولا حوادثُ الأيام لم يُعرف صبرُ الكرام، ولا جزعُ اللئام”.) ؛ يمتحن إيمانك، يمتحن يقينك بالله، ليُعوِّضك عِوَضًا تسجُد له فرحًا وتعظيمًا لهذا الرب الرحيم، صادق الوعد، أرحمِ الراحمين.

إذا بُليتَ فثِقْ باللهِ وارضَ بهِ *** إنّ الذي يكشفُ البلْوى هوَ اللهُ

اليأسُ يقطعُ أحياناً بصاحِبِه *** لا تيأسنَّ فإنَّ الفارجَ اللهُ

واللهِ مالكَ غيرُ اللهِ من أحدٍ *** فحَسْبُكَ اللهُ في كُلٍّ لكَ اللهُ

إن الله إذا أحبَّ عبدًا ابتلاه، فاصبِر، ثم انتظر البشرى من ربِّ العالمين، أرحمِ الراحمين، أبشر فإنك إذا رضيت بقضاء الله مترفعا عن الشكوى مستعليا على الألام، بلغك المنزلة التي سبقت لك من الله وإن لم تبلغها بعملك.

 قال النبي -صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى” صحيح أبي داود.

أبشر إذا صبرت على الآلام والأقراح، وكنت راضيا بما قدره الله عليك من الأمراض والأسقام، لا تتضجر ولا تتبرم من قضاء الله وقدره، أبشر إذن بمغفرة الذنوب وستر العيوب حتى تلقى الله وما عليك خطيئة.

*قال -صلى الله عليه وسلم:” ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حطَّ الله بها سيئاتِه كما تَحطُّ الشجرةُ ورقَها” رواه البخاري.

 *قال -عليه الصلاة والسلام:” ما يزالُ البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة”  رواه مسلم.

*قال – صلى الله عليه وسلم – : ” يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب ، لو أن جلودهم كانت قرِّضت بالمقاريض ” صحيح الترمذي.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وبصفاتك العلا وبرحمتك التي وسعت كلّ شيء، أن تمنّ على كل مريض بالشفاء العاجل، وألّا تدع فيهم جرحًا إلّا داويته، ولا ألمًا إلا سكنته، ولا مرضًا إلا شفيته، وألبسهم ثوب الصحة والعافية عاجلًا غير آجل، وشافِهم وعافِهم واعف عنهم، واشملهم بعطفك ومغفرتك، وتولّهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

بقلم: عبدالقادر الصالحي (خبير تربوي) هولندا

مكتب التحرير

1 Comment

  • أسأل الله العلي القدير ان يجعل هذه الكلمات فرجا لكل مكروب وأملا لكل مهموم وان يجيزكم خيرا عليها وان لا يآخذنا إن جزعنا فنحن الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *